وَالْمَقْصُودُ أَنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَحِبُوهُ قَبْلَ الْفَتْحِ اخْتَصُّوا مِن الصُّحْبَةِ بِمَا اسْتَحَقُّوا بِهِ التَّفْضِيلَ عَلَى مَن بَعْدَهُمْ.
وَلَمَّا كَانَ لِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ -رضي الله عنه- مِن مَزِيَّةِ الصُّحْبَةِ مَا تَمَيَّزَ بَهْ عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ خَصَّهُ بِذَلِك فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَن أَبِي الدَّرْدَاءِ، أَنَّهُ كَانَ بَيْنَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كَلَامٌ، فَطَلَبَ أَبُو بَكْرٍ مِن عُمَرَ أَنَّ يَسْتَغْفِرَ لَهُ فَامْتَنَعَ عُمَرُ، وَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ إلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَذَكَرَ لَهُ مَا جَرَى، ثُمَّ إنَّ عُمَرَ نَدِمَ، فَخَرَجَ يَطْلُبُ أَبَا بَكْرٍ فِي بَيْتِهِ، فَذُكِرَ لَهُ أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا جَاءَ عُمَرُ أَخَذَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- يَغْضَبُ لِأَبِي بَكْرٍ؛ وَقَالَ: "أَيُّهَا النَّاسُ إنِّي جِئْت إلَيْكُمْ فَقُلْت: إنِّي رَسُولُ اللهِ إلَيْكُمْ، فَقُلْتُمْ: كَذَبْت، وَقَالَ أَبُو بَكرٍ: صَدَقْت، فَهَل أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي فَهَل أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي" (١)؟
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ الصُّحْبَةَ فِيهَا خُصُوصٌ وَعُمُومٌ، وَعُمُومُهَا يَنْدَرِجُ فِيهِ كُلُّ مَن رَآهُ مُؤْمِنًا بَهْ، وَلهَذَا يُقَال: صَحِبْته سَنَةً، وَشَهْرًا، وَسَاعَةً، وَنَحْو ذَلِك.
ومُعَاوِيةُ وَعَمْرُو بْنُ العاص وَأَمْثَالُهُم مِن الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَتَّهِمْهُم أَحَدٌ مِن السَّلَفِ بِنِفَاق.
وَأَيْضًا: فَعَمْرُو بْنُ العاص وَأَمْثَالُهُ مِمَّن قَدِمَ مُهَاجِرًا إلَى النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- بَعْدَ الْحُدَيْبِيَةِ هَاجَرُوا إلَيْهِ مِن بِلَادِهِمْ طَوْعًا لَا كَرْهًا، وَالْمُهَاجِرُونَ لَمْ يَكُن فِيهِمْ مُنَافِقٌ، وَإِنَّمَا كَانَ النِّفَاقُ فِي بَعْضِ مَن دَخَلَ مِن الْأَنْصَارِ.
وَأَمَّا مُعَاوِيةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ وَأَمْثَالُهُ مِن الطُّلَقَاءِ الَّذِينَ أَسْلَمُوا بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ؛ كَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ، وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو، وَصَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ، وَأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، هَؤُلَاءِ وَغَيْرُهُم مِمَن حَسُنَ إسْلَامُهُم بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ، وَلَمْ يُتَّهَمْ أَحَدٌ مِنْهُم بَعْدَ ذَلِك بِنِفَاقِ.
(١) رواه البخاري (٣٦٦١).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute