وَأَمَّا مَا اجْتَهَدُوا فِيهِ: فَتَارَةً يُصِيبُونَ، وَتَارَةً يُخْطِئُونَ.
فَإِذَا اجْتَهَدُوا فَأَصَابُوا فَلَهُم أَجْرَانِ، وَإِذَا اجْتَهَدُوا وَأَخْطَؤُوا فَلَهُم أَجْرٌ عَلَى اجْتِهَادِهِمْ، وَخَطَؤُهُم مَغْفُورٌ لَهُمْ.
وَأَهْلُ الضَّلَالِ يَجْعَلُونَ الْخَطَأَ وَالْإِثْمَ مُتَلَازِمَيْنِ: فَتَارَةً يَغْلُونَ فِيهِمْ وَيَقُولُونَ: إنَّهُم مَعْصُومُونَ.
وَتَارَةً يَجْفُونَ عَنْهُم وَيَقُولُونَ: إنَّهُم بَاغُونَ بِالْخَطَأِ.
وَأَهْلُ الْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ لَا يَعْصِمُونَ وَلَا يُؤَثِّمون.
وأما الْحَدِيثُ الَّذِي فِيهِ: "إنَّ عَمَّارًا تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ" (١): لَيْسَ فِي كَوْنِ عَمَّارٍ تَقْتُلهُ الْفِئَةُ الْبَاغِيَةُ مَا يُنَافِي مَا ذَكَرْنَاهُ، فَإِنَّهُ قَد قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ} [الحجرات: ٩، ١٠]، فَقَد جَعَلَهُم مَعَ وُجُودِ الِاقْتِتَالِ وَالْبَغْيِ مُؤْمِنِينَ إخْوَةً؛ بَل مَعَ أَمْرِهِ بِقِتَالِ الْفِئَةِ الْبَاغِيَةِ جَعَلَهُم مُؤْمِنِينَ. وَلَيْسَ كُلُّ مَا كَانَ بَغْيًا وَظُلْمًا أَو عُدْوَانًا يُخْرِجُ عُمُومَ النَّاسِ عَن الْإِيمَانِ، وَلَا يُوجِبُ لَعْنَتَهُمْ، فَكَيْفَ يُخْرِجُ ذَلِك مَن كَانَ مِن خَيْرِ الْقُرُونِ؟
وَكُلُّ مَن كَانَ بَاغِيًا، أَو ظَالِمًا، أَو مُعْتَدِيًا، أَو مُرْتَكِبًا مَا هُوَ ذَنْبٌ فَهُوَ قِسْمَانِ:
أ- مُتَأَوِّلٌ.
ب- وَغَيْرُ مُتَأَوِّلٍ.
فَالْمُتَأَوِّلُ الْمُجْتَهِدُ؛ كَأَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ، الَّذِينَ اجْتَهَدُوا، وَاعْتَقَدَ بَعْضُهُم حِلَّ أُمُورٍ، وَاعْتَقَدَ الْآخَرُ تَحْرِيمَهَا، كَمَا اسْتَحَلَّ بَعْضُهُم بَعْضَ أَنْوَاعِ الْأَشْرِبَةِ،
(١) رواه البخاري (٤٤٧)، ومسلم (٢٩١٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute