للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ، وَأَبِي أَسَدِ (١) بْنِ أَبِي العاص بْنِ أُمَيَّةَ، وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ؛ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ يُسَمَّوْنَ الطُّلَقَاءَ.

وَكَانَ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورُونَ مِن أَحْسَنِ النَّاسِ إسْلَامًا وَأَحْمَدُهُم سِيرَةً.

وَقَد اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَبَا شفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ -أَبَا مُعَاوِيةَ- عَلَى نَجْرَانَ نَاثِبًا لَهُ، وَتُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- وَأَبُو سُفْيَانَ عَامِلَهُ عَلَى نَجْرَان.

وَكَانَ مُعَاوِيةُ أَحْسَنَ إسْلَامًا مِن أَبِيهِ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ، كَمَا أَنَّ أَخَاهُ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ كَانَ أَفْضَلَ مِنْهُ وَمِن أَبِيهِ.

وَكَانَ عَمْرُو بْنُ العاص أَحَدَ الْأُمَرَاءِ، وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ أَيْضًا.

وَقَدَّمَ عَلَيْهِم خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ لِشَجَاعَتِهِ وَمَنْفَعَتِهِ فِي الْجِهَادِ.

فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَبُو بَكْرٍ وَلَّى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ أَبَا عُبَيْدَةَ أَمِيرًا عَلَى الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ عمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- كَانَ شَدِيدًا فِي اللهِ، فَوَلَّى أَبَا عُبَيْدَةَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ لَيِّنًا.

وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- لَيِّنًا وَخَالِدٌ شَدِيدًا عَلَى الْكُفَّارِ، فَوَلَّى اللَّيِّنَ الشَّدِيدَ وَوَلَّى الشَّدِيدَ اللَّيّنَ لِيَعْتَدِلَ الْأَمْرُ، وَكِلَاهُمَا فَعَلَ مَا هُوَ أَحَبُّ إلَى اللهِ تَعَالَى فِي حَقِّهِ؛ فَإِنَّ نَبِيِّنَا -صلى الله عليه وسلم- أَكْمَلُ الْخَلْقِ، وَكَانَ شَدِيدًا عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَنَعَتَهُ اللهُ تَعَالَى بِأَكْمَلِ الشَّرَائِعِ؛ كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي نَعْتِ أُمَّتِهِ: {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ} [افتح: ٢٩].

فَلَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَاسْتُخْلَفَ أَبَا بَكْرٍ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى فِيهِ مِن الشِّدَّةِ مَا لَمْ يَكُن فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ، حَتَّى فَاقَ عُمَرَ فِي ذَلِكَ، حَتَّى قَاتَلَ أَهْلَ الرِّدَّةِ بَعْدَ أَنْ جَهَّزَ جَيْشَ أُسَامَةَ، وَكَانَ ذَلِكَ تَكْمِيلًا لَهُ لِكَمَالِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- الَّذِي صَارَ خَلِيفَةً لَهُ.

وَلَمَّا اسْتَخْلَفَ عُمَرَ جَعَلَ اللهُ فِيهِ مِن الرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ مَا لَمْ يَكُن فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ تَكْمِيلًا لَهُ، حَتَّى صَارَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلهَذَا اسْتَعْمَلَ هَذَا خَالِدًا، وَهَذَا أَبَا عُبَيْدَةَ.


(١) لم أجد من هذه كنيته من الطلقاء، ولعله: عَتَّاب بْن أُسيدِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>