إلَى الْوَقْفِ وَالْحَيْرَةِ، وَيُحِيلُ فِي اَخِرِ أَمْرِهِ عَلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْكَشْفِ، وَإِن كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ رَجَعَ إلَى طَرِيقَةِ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَصَنَّفَ: "إلْجَامَ الْعَوَامِّ عَن عِلْمِ الْكَلَامِ".
- وَكَذَلِكَ أَبُو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرَّازِي قَالَ فِي كِتَابِهِ الَّذِي صَنَّفَهُ فِي أَقْسَامِ اللَّذَّاتِ: "لَقَد تَأَمَّلْتُ الطُّرُقَ الْكَلَامِيَّةَ، وَالْمَنَاهِجَ الْفَلْسَفِيَّةَ، فَمَا رَأيْتهَا تَشْفِي عَلِيلًا، وَلَا تَرْوِي غَلِيلًا، وَرَأَيْت أَقْرَبَ الطُّرُقِ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ:
أقْرَأُ فِي الْإِثْبَاتِ {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)} [طه: ٥]، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} [فاطر: ١٠].
وَأَقْرَأُ فِي النَّفْيِ {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١].
ثُمَّ قَالَ: وَمَن جَرَّبَ مِثْل تَجْرِبَتِي عَرَفَ مِثْل مَعْرِفَتِي"، وَكَانَ يَتَمَثَّلُ كَثيرًا:
نِهَايَةُ إقْدَامِ الْعُقُولِ عِقَالُ … وَأَكْثَرُ سَعْيِ الْعَالَمِينَ ضَلَالُ
وَأرْوَاحُنَا فِي وَحْشَةٍ مَن جُسُومِنَا … وَحَاصِلُ دُنْيَانَا أَذًى وَوَبَالُ
وَلَمْ نَسْتَفِدْ مَن بَحْثَنَا طُولَ عُمْرِنَا … سِوَى أَنْ جَمَعْنَا فِيهِ قِيلَ وَقَالُوا
- وَهَذَا إمَامُ الْحَرَمَيْنِ تَرَكَ مَا كَانَ يَنْتَحِلُهُ وَيُقَرِّرُهُ، وَاخْتَارَ مَذْهَبَ السَّلَفِ، وَكَانَ يَقُولُ: "يَا أَصْحَابَنَا لَا تَشْتَغِلُوا بِالْكَلَامِ، فَلَو أَنِّي عَرَفْت أَنَّ الْكَلَامَ يَبْلُغُ بِي إلَى مَا بَلَغَ مَا اشْتَغَلْت بِهِ".
وَقَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ: "لَقَد خُضت الْبَحْرَ الْخِضَمَّ، وَخَلَّيْت أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَعُلُومَهُم وَدَخَلْت فِيمَا نَهَوْنِي عَنْهُ، وَالْآنَ إنْ لَمْ يَتَدَارَكْنِي رَبِّي بِرَحْمَتِهِ فَالْوَيْلُ لِابْنِ الجُوَيْنِي، وَهَا أنذا أَمُوتُ عَلَى عَقِيدَةِ أُمِّي، -أَو قَالَ-: عَقِيدَةِ عَجَائِزِ نَيْسَابُورَ". [٤/ ٧٢ - ٧٣]
* * *
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute