وَكَذَلِكَ إذَا شَهِدَ بِالرُّؤْيَةِ نَهَارَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ إلَى الْغُرُوبِ: فَعَلَيْهِم إمْسَاكُ مَا بَقِيَ، سَوَاءٌ كَانَ مِن إقْلِيمٍ أَو إقْلِيمَيْنِ.
وَالِاعْتِبَارُ بِبُلُوغِ الْعِلْمِ بِالرُّؤْيَةِ فِي وَقْتٍ يُفِيدُ، فَأَمَّا إذَا بَلَغَتْهُم الرُّؤْيةُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ فَالْمُسْتَقْبَلَ يَجِبُ صَوْمُهُ بِكُلِّ حَالٍ.
لَكِنَّ الْيَوْمَ الْمَاضِيَ: هَل يَجِبُ قَضَاؤُهُ؟ فَإِنَّهُ قَد يَبْلُغُهُم فِي أَثْنَاءِ الشَّهْرِ أَنَّهُ رُئِيَ بِإِقْلِيمٍ آخَرَ وَلَمْ يُرَ قَرِيبًا مِنْهُمْ؟
الْأَشْبَهُ: أَنَّهُ إنْ رئيَ بِمَكَانٍ قَرِيبٍ -وَهُوَ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَبْلُغَهُم خَبَرُهُ فِي الْيَوْمِ الْأَوَّلِ- فَهُوَ كَمَا لَو رُئِيَ فِي بَلَدِهِمْ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ.
وَأَمَّا إذَا رُئِيَ بِمَكَانٍ لَا يُمْكِنُ وُصُولُ خَبَرِهِ إلَيْهِم إلَّا بَعْدَ مُضِيِّ الْأَوَّلِ: فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِمْ؛ لِأَنَّ صَوْمَ النَّاسِ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي يَصُومُونَهُ، وَلَا يُمْكنُ أَنْ يَصُومُوا إلَّا الْيَوْمَ الَّذِي يُمْكِنُهُم فِيهِ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ، وَهَذَا لَمْ يَكُن يُمْكنُهُم فِيهِ بُلُوغُهُ فَلَمْ يَكُن يَوْمَ صَوْمِهِمْ، وَكَذَلِكَ فِي الْفِطْرِ وَالنُّسُكِ.
فَالضَّابِطُ: أَنَّ مَدَارَ هَذَا الْأَمْرِ عَلَى الْبُلُوغِ؛ لِقَوْلِهِ: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ"، فَمَن بَلَغَهُ أَنَّهُ رُئِيَ ثَبَتَ فِي حَقِّهِ مِن غَيْرِ تَحْدِيدٍ بِمَسَافَةٍ أَصْلًا، وَهَذَا يُطَابِقُ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي أَنَّ طَرَفَيْ الْمَعْمُورَةِ لَا يَبْلُغُ الْخَبَرُ فِيهِمَا إلَّا بَعْدَ شَهْرٍ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ، بِخِلَافِ الْأَمَاكِنِ الَّذِي يَصِلُ الْخَبَرُ فِيهَا قَبْلَ انْسِلَاخِ الشَّهْرِ فَإِنَّهَا مَحَلُّ الِاعْتِبَارِ.
وَلهَذَا قَالُوا: إذَا أَخْطَأَ النَّاسُ كُلُّهُم فَوَقَفُوا فِي غَيْرِ يَوْمِ عَرَفَةَ أَجْزَأَهُم اعْتِبَارًا بِالْبُلُوغِ، وَإِذَا أَخْطَأَهُ طَائِفَةٌ مِنْهُم لَمْ يُجْزِئْهُم لِإِمْكَانِ الْبُلُوغِ؛ فَالْبُلُوغُ هُوَ الْمُعْتَبَرُ سَوَاءٌ كَانَ عَلِمَ بِهِ لِلْبُعْدِ أَو لِلْقِلَّةِ.
فَتَلَخَّصَ:
أ- أَنَّهُ مَن بَلَغَهُ رُؤْيَةُ الْهِلَالِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُؤَدِّي بِتِلْكَ الرُّؤْيَةِ الصَّوْمَ أَو
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute