للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الشَّهَوَاتِ يُحَاسَبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى النِّعَمِ الَّتِي تَنَعَّمُوا بِهَا، فَلَمْ يَذْكُرُوهُ وَلَمْ يَعْبُدُوهُ بِهَا، وَيُقَالُ لَهُم: {أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ} [الأحقاف: ٢٠].

وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)} [التكاثر: ٨]؛ أَيْ: عَن شُكْرِهِ، وَالْكَافِرُ لَمْ يَشْكُرْ عَلَى النَّعِيمِ الَّذِي أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِ بِهِ فَيُعَاقِبُهُ عَلَى ذَلِكَ.

وَلهَذَا لَمْ تَكُنْ أَمْوَالُهُم مَمْلُوكَةً لَهُم مِلْكًا شَرْعِيًّا؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ الشَّرْعِيَّ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّصَرُّفِ الَّذِي أَبَاحَهُ الشَّارعُ -صلى الله عليه وسلم-، وَالشَّارعُ لَمْ يُبِحْ لَهُم تَصَرُّفًا فِي الْأَمْوَالِ إلا بِشَرْطِ الْإِيمَانِ، فَكَانَت أَمْوَالُهُم عَلَى الْإِبَاحَةِ.

فَإِذَا قَهَرَ طَائِفَةٌ مِنْهُم طَائِفَةً قَهْرًا يَسْتَحِلُّونَهُ فِي دِينِهِمْ (١) وَأَخَذُوهَا مِنْهُمْ: صَارَ هَؤُلَاءِ فِيهَا كَمَا كَانَ أولَئِكَ.

وَالْمُسْلِمُونَ إذَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا، فَغَنِمُوهَا: مَلَكُوهَا شَرْعًا؛ لِأَنَّ اللهَ أَبَاحَ لَهُم الْغَنَائِمَ وَلَمْ يُبِحْهَا لِغَيْرِهِمْ.

وَيجُوزُ لَهُم أَنْ يُعَامِلُوا الْكُفَّارَ فِيمَا أَخَذَهُ بَعْضُهُم مِن بَعْضٍ بِالْقَهْرِ الَّذِي يَسْتَحِلّونَهُ فِي دِينِهِمْ، وَيجوزُ أَنْ يَشتَرِيَ مِن بَعْضِهِمْ مَا سَبَاهُ مِن غَيْرِهِ؛ لِأنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ اسْتِيلَائِهِ عَلَى الْمُبَاحَاتِ؛ وَلِهَذَا سَمَّى اللهُ مَا عَادَ مِن أَمْوَالِهِمْ إلَى الْمُسْلِمِينَ "فَيْئًا"؛ لِأَنَّ اللهَ أَفَاءَهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ، أَيْ: رَدَّهُ إلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهِ، الَّذِينَ يَعْبُدُونَه وَيَسْتَعِينُونَ بِرِزْقِهِ عَلَى عِبَادَتِهِ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا خَلَقَ الْخَلْقَ لِيَعْبُدُوهُ، وَإِنَّمَا خَلَقَ الرِّزْقَ لَهُم لِيَسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى عِبَادَتِهِ.

وَلَفْظُ "الْفَيءِ" قَد يَتَنَاوَلُ "الْغَنِيمَةَ"؛ كَقَوْلِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي غَنَائِمِ حنين:


(١) هذا قيد مهم، فإذا كان القهر ظلمًا وجورًا ولم يكن له مُستند في دينهم: فلا يحلّ الاستيلاء عليهم، ولا شراؤهم، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>