شَقِيٌّ أَو سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ فَمَا الْأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ كذَلِكَ: فِي بَطْنِ أُمّهِ".
فَبَيَّنَ فِي هَذَا أَنَّ الْكِتَابَةَ تَكُونُ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ مُضْغَةً.
وَأمَّا حَدِيثُ حُذَيْفَةَ بْنِ أسيد فَهُوَ مِن أَفْرَادِ مُسْلِمٍ وَلَفْظُهُ: سَمِعْت النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إذَا مَرَّ بِالنُّطْفَةِ ثِنْتَانِ وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةً بَعَثَ اللهُ إلَيْهَا مَلَكًا فَصَوَّرَهَا وَخَلَقَ سَمْعَهَا وَبَصَرَهَا وَجِلْدَهَا وَلَحْمَهَا وَعِظَامَهَا، ثُمَّ يَقُولُ: يَا رَبِّ أَذَكرٌ أَمْ أنْثَى؟ فَيَقْضِي رَبُّك مَا شَاءَ وَيكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ يَا رَبِّ رِزْقُهُ؟ فَيَقْضِي رَبُّك مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ، ثُمَّ يَقُولُ: يَارَبِّ أَجَلُهُ؟ فَيَقْضِي رَبُّك مَا شَاءَ وَيَكْتُبُ الْمَلَكُ؛ ثُمَّ يُخْرجُ الْمَلَكُ بِالصَّحِيفَةِ فِي يَدِهِ فَلَا يَزِيدُ عَلَى مَا أُمِرَ وَلَا يَنْقُصُ".
فَهَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ أَنَّ تَصْوِيرَهَا بَعْدَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، وَأَنَّهُ بَعْدَ تَصْوِيرِهَا وَخَلْقِ سَمْعِهَا وَبَصَرِهَا وَجِلْدِهَا وَلَحْمِهَا وَعِظَامِهَا يَقُولُ الْمَلَكُ: يَا رَبِّ أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟
وَمَعْلُومٌ أَنَّهَا لَا يمُونُ لَحْمًا وَعَظْمًا حَتَّى تكونَ مُضْغَةً.
فَهَذَا مُوَافِقٌ لِذَلِكَ الْحَدِيثِ فِي أَنَّ كِتَابَةَ الْمَلَكِ تَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ إلَّا أَنْ يُقَالَ: الْمُرَادُ تَقْدِيرُ اللَّحْمِ وَالْعِظَامِ.
وَقَد رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَلْفَاظِ فِيهَا إجْمَالٌ بَعْضُهَا أَبْيَنُ مِن بَعْضٍ.
وَحِينَئِذٍ فَيُقَالُ: أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ لَازِمٌ:
أ- إمَّا أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأُمُورُ عَقِيبَ الْأَرْبَعِينَ، ثُمَّ تَكُونُ عَقِبَ الْمِائَةِ وَالْعِشْرِينَ، وَلَا مَحْذُورَ فِي الْكِتَابَةِ مَرَّتَيْنِ، وَيَكُونُ الْمَكْتُوبُ أَوَّلًا فِيهِ كِتَابَةُ الذَّكَرِ وَالْأْنْثَى.
ب- أَو يُقَالُ: إنَّ أَلْفَاظَ هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ تُضْبَطْ حَقَّ الضَّبْطِ؛ وَلهَذَا اخْتَلَفَتْ رُوَاتُهُ فِي أَلْفَاظِهِ؛ وَلهَذَا أَعْرَضَ الْبُخَارِيُّ عَن رِوَايَتِهِ، وَقَد يَكونُ أَصْلُ الْحَدِيثِ صَحِيحًا، وَيَقَعُ فِي بَعْضِ أَلْفَاظِهِ اضْطِرَابٌ، فَلَا يَصْلُحُ حِينَئِذٍ أَنْ يُعَارَضَ بِهَا مَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، الَّذِي لَمْ تَخْتَلِفْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute