للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأَمَّا الْفِتْنَةُ فِي الْقُبُورِ فَهِيَ الِامْتِحَانُ وَالِاخْتِبَارُ لِلْمَيِّتِ حِينَ يَسْأَلُهُ الْمَلَكَانِ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا كُنْت تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟

فَيُثَبِّبُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ، فَيَقُولُ الْمُؤْمِنُ: اللهُ رَبِّي، وَالْإِسْلَامُ دِينِي، وَمُحَمَّدٌ نَبِيِّي.

وَيقُولُ: هُوَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ جَاءَنَا بِالْبَيِّناتِ وَالْهُدَى، فَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبعْنَاهُ.

فَيَنْتَهِرَانِهِ انتهارة شَدِيدَةً -وَهِيَ آخِرُ فِتَنِهِ الَّتِي يُفْتَنُ بِهَا الْمُؤْمِنُ- فَيَقُولَانِ لَهُ: كَمَا قَالَا أَوَّلًا (١).

وَقَد تَوَاتَرَت الْأَحَادِيث عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فِي هَذِهِ الْفِتْنَةِ مِن حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَغَيْرِهِمْ -رضي الله عنهم-، وَهِيَ عَامَّةٌ لِلْمُكَلَّفِينَ إلَّا النَّبِيِّينَ فَقَد اُخْتُلِفَ فِيهِمْ.

وَكَذَلِكَ اُخْتُلِفَ فِي غَيْرِ الْمُكَلَّفِينَ كَالصّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ فَقِيلَ: لَا يُفْتَنُونَ؛ لِأَنَّ الْمِحْنَةَ إنَّمَا تَكُونُ لِلْمُكَلَّفِينَ، وَهَذَا قَوْلُ الْقَاضِي وَابْنِ عَقِيلٍ.


(١) رواه الإمام أحمد (١٨٦١٤) من حديث الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنه-، قال شيخ الإسلام: حَدِيثٌ حَسَنٌ ثَابِتٌ. اهـ. (٤/ ٢٩٠)
وضعف محققو المسند رواية الإمام أحمد، والتي جاء فيها هذا اللفظ: "فَيَنْتَهِرَانِهِ انتهارة شَدِيدَةً".
وقد رواه أبو داود بلفظ آخر وبدون هذه الزيادة (٤٧٥٣).
ورواه من طريق أبي هريرة -رضي الله عنه- (٨٧٦٩) بلفظ قريب من لفظ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وصححه محققو المسند.
وقال شيخ الإسلام: حَدِيث مَعْرُوفٌ جَيِّدُ الْإِسْنَادِ.
قال: وَقَوْلُهُ: "فِيهَا اللهُ" بمَنْزِلَةِ قَوْله تَعَالَى: {أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (١٦)} [الملك:١٦].
وَبِمَنْزِلةِ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيح أنَّ النَبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ لِجَارِيَةِ مُعَاوَيةَ بْنِ الْحَكَم: "أَيْنَ اللهُ؟ " قَالَتْ: فِي السَّمَاءِ قَالَ: "مَن أَنا؟ " قَالَتْ: أَنْتَ رَسُولُ اللهِ، قَالَ: "أَعْتِقْهَا فَإنَّهَا مُؤْمِنَةٌ".
وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ أنَّ السَّمَاءَ تَحْصُرُ الرَّبَّ وَتَحْوِيهِ كَمَا تَحْوِي الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَغَيْرَهُمَا؛ فَإِنَّ هَذَا لَا يَقُولُهُ مُسْلِمٌ، وَلَا يَعْتَقِدُهُ عَاقِلٌ. اهـ. (٤/ ٢٧١)
وقد صحح الألباني جميع هذه الأحاديث والألفاظ.
يُنظر: صحيح الجامع (١٩٦٨ - ٨٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>