الْقَارُورَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْأَلْفَاظِ الْمُتَنَاسِبَةِ أَكْمَلُ مِن أَلْفَاظِ الصَّمَدِ.
ولَفْظُ الصَّمَدِ فِيهِ الْجَمْعُ، وَالْجَمْعُ فِيهِ الْقُوَّةُ، فَإِنَّ الشَّيْءَ كُلَّمَا اجْتَمَعَ بَعْضُهُ إلَى بَعْضٍ وَلَمْ يَكُن فِيهِ خَلَلٌ كَانَ أَقْوَى مِمَّا إذَا كَانَ فِيهِ خُلُوٌّ، وَلهَذَا يُقَالُ لِلْمَكَانِ الْغَلِيظِ الْمُرْتَفِعِ: صَمَدٌ؛ لِقُوَّتِهِ وَتَمَاسُكِهِ وَاجْتِمَاعِ أَجْزَائِهِ، وَالرَّجُلُ الصَّمَدُ هُوَ السَّيِّدُ الْمَصْمُودُ؛ أَيْ: الْمَقْصُودُ.
وَالنَّاسُ إنَّمَا يَقْصِدُونَ فِي حَوَائِجِهِمْ مَن يَقُومُ بِهَا، وَإِنَّمَا يَقُومُ بِهَا مَن يَكُونُ فِي نَفْسِهِ مُجْتَمِعًا قَوُّيًّا ثَابِتًا، وَهُوَ السَّيِّدُ الْكَرِيمُ، بِخِلَافِ مَن يَكُونُ هَلُوعًا جَزُوعًا يَتَفَرَّقُ وُيقْلِقُ وَيتَمَزَّقُ مِن كَثْرَةِ حَوَائِجِهِمْ وَثِقَلِهَا، فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِسَيِّدٍ صَمَدٍ يَصْمُدُونَ إلَيْهِ فِي حَوَائِجِهِمْ. [١٧/ ٢١٥ - ٢٣٣]
٤١٢ - قَالَ اللهُ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢)} [الإخلاص: ١، ٢]، أَدْخَلَ اللَّامَ فِي الصَّمَدِ وَلَمْ يُدْخِلْهَا فِي أَحَدٍ؛ لِأَّنَّهُ لَيْسَ فِي الْمَوْجُودَاتِ مَا يُسَمَّى أَحَدًا فِي الْإِثْبَاتِ مُفْرَدًا غَيْرَ مُضَافٍ إلَّا اللهُ تَعَالَى؛ بِخِلَافِ النَّفْي وَمَا فِي مَعْنَاهُ: كَالشَّرْطِ وَالِاسْتِفْهَامِ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: هَل عِنْدَك أَحَدٌ؟ وَإِن جَاءَنِي أَحَدٌ مِن جِهَتِك أَكْرَمْته، وَإِنَّمَا اسْتُعْمِلَ فِي الْعَدَدِ الْمُطْلَقِ يُقَالُ: أَحَدٌ، اثْنَانِ، وَيُقَالُ: أَحَدَ عَشر، وَفِي أَوَّلِ الْأَيَّامِ يُقَالُ: يَوْمُ الْأَحَدِ.
فَإِنَّ فِيهِ -عَلَى أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ- ابْتَدَأَ اللهُ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا، كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ وَالْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ، فَإِنَّ الْقُرْآنَ أَخْبَرَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ: أَنَّهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّام، وَقَد ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهِ: أَنَّ آخِرَ الْمَخْلُوقَاتِ كَانَ آدَمَ خُلِقَ يَوْم الْجُمُعَةِ.
وَإِذَا كَانَ آخِرُ الْخَلْقِ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَلَّ عَلَى أَنَّ أَوَّلَهُ كَانَ يَوْمَ الْأَحَدِ لِأَنَّهَا سِتَّةٌ.
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الَّذِي رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي قَوْلِهِ: "خَلَقَ اللهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ": فَهُوَ حَدِيثٌ مَعْلُولٌ قَدَحَ فِيهِ أَئِمَّةُ الْحَدِيثِ كَالْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute