للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

"هَل مِن دَاعٍ؟ هَل مِن سَائِلٍ؟ هَل مِن تَائِبٍ؟ " (١).

وَالْكَلَامُ فِي هَذَا الْقُرْبِ مِن جِنْسِ الْكَلَامِ فِي نُزُولهِ كُلَّ لَيْلَةٍ، وَدُنُوّهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وَتَكْلِيمِهِ لِمُوسَى مِن الشَّجَرَةِ، وَقَوْلِهِ: {أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا} [النمل: ٨]، وَقَد بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَذَكَرْنَا مَا قَالَهُ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ؛ كَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ، وَإِسْحَاقَ، وَغَيْرِهِمَا مِن أَنَّهُ يَنْزِلُ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَلَا يَخْلُو مِنْهُ الْعَرْشُ، وَبَيَّنَّا أَنَّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ.

وَرُوحُ الْعَبْدِ فِي بَدَنِهِ لَا تَزَالُ لَيْلًا وَنَهَارًا إلَى أَنْ يَفوتَ، وَوَقْتُ النَّوْمِ تَعْرُجُ، وَقَد تَسْجُدُ تَحْتَ الْعَرْشِ، وَهِيَ لَمْ تُفَارِقْ جَسَدَهُ، وَكَذَلِكَ "أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِن رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ" (٢)، وَرُوحُهُ فِي بَدَنِهِ، وَأَحْكَامُ الْأَرْوَاحِ مُخَالِفٌ لِأَحْكَامِ الْأَبْدَانِ، فَكَيْفَ بِالْمَلَائِكَةِ؟ فَكَيْفَ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ؟

وَاللَّيْلُ يَخْتَلِفُ: فَيَكُونُ -ثُلْثُهُ بِالْمَشْرِقِ قَبْلَ أَنْ يَكونَ ثُلْثهُ بِالْمَغْرِبِ، وَنزُولُهُ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ رَسُولُهُ إلَى سَمَاءِ هَؤُلَاءِ فِي ثُلْثِ لَيْلِهِمْ، وَإِلَى سَمَاءِ هَؤُلَاءِ فِي ثُلْثِ لَيْلِهِمْ، لَا يَشْغَلُهُ شَأنٌ عَن شَأنٍ، وَكَذَلِكَ قُرْبُهُ مِن الدَّاعِي الْمُتَقَرِّبِ إلَيْهِ وَالسَّاجِدِ لِكُلِّ وَاحِدٍ بِحَسَبِهِ حَيْثُ كَانَ، وَأيْنَ كَانَ، وَالرَّجُلَانِ يَسْجُدَانِ فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ وَلكُل وَاحِدٍ قُرْبٌ يَخُصُّهُ لَا يُشْرِكُهُ فِيهِ الْآخَرُ.

وَالرَّبّ سُبْحَانَهُ لَا يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عَن سَمْعٍ، وَلَا تُغْلِطُهُ الْمَسَائِلُ؛ بَل هُوَ سُبْحَانَهُ يُكَلمُ الْعِبَادَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيُحَاسِبُهُمْ، لَا يَشْغَلُهُ هَذَا عَن هَذَا.

قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ: كَيْفَ يُكَلِّفهُم يَوْمَ الْقِيَامَةِ كُلّهُم فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ؟

قَالَ: كَمَا يَرْزُقُهُم فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ.

وَاللهُ سُبْحَانَهُ فِي الدُّنْيَا يَسْمَعُ دُعَاءَ الدَّاعِينَ، ويُجِيبُ السَّائِلِينَ، مَعَ اخْتِلَافِ اللُّغَاتِ، وَفُنُونِ الْحَاجَاتِ.


= آخر الليل من حضور القلب والسكون والفهم واللذة ما لا يجدونه في جميع أوقاتهم.
(١) رواه مسلم (٧٥٨).
(٢) رواه مسلم (٤٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>