وَأَمَّا مَن كَانَت عَادَتُهُ الْجُمُعَةَ ثُمَّ مَرِضَ أَو سَافَرَ: فَإِنَّهُ يُكتَبُ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ، وَكَذَلِكَ الْمَحْبُوسُ وَنَحْوُة، فَهَؤُلَاءِ لَهُم مِثْلُ أَجْرِ مَن شَهِدَ الْجُمُعَةَ، فَيَكُونُ دُعَاؤُهُم كَدُعَاءِ مَن شَهِدَهَا.
وَقَد تَكُونُ الرَّحْمَةُ الَّتِي تَنْزِلُ عَلَى الْحُجَّاج عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وَعَلَى مَن شَهِدَ الْجُمُعَةَ: تَنْتَشِرُ بَرَكَاتُهَا إلَى غَيْرِهِمْ مِن أَهْلِ الْأعْذَارِ، فَيَكُونُ لَهُم نَصِيبٌ مِن إجَابَةِ الدُّعَاءِ، وَحَظٌّ مَعَ مَن شَهِدَ ذَلِكَ، كَمَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ.
فَهَذَا مَوْجُودٌ لِمَن يُحِبُّهُمْ، وَيُحِبُّ مَا هم فِيهِ مِن الْعِبَادَةِ، فَيَحْصُلُ لِقَلْبِهِ تَقَرُّبٌ إلَى اللهِ وَيَوَدُّ لَو كَانَ مَعَهُمْ.
وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ الَّذِي لَا يَرَى الْحَجَّ بِرًّا وَلَا الْجُمُعَةَ فَرضًا وَبِرًّا؛ بَل هُوَ مُعْرِضٌ عَن مَحَبَّةِ ذَلِكَ وإرَادَتِهِ: فَهَذَا قَلْبُهُ بَعِيدٌ عَن رَحْمَةِ اللهِ؛ فَإنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِن الْمُحْسِنِينَ وَهَذَا لَيْسَ مِنْهُمْ.
وَرُوِيَ فِي ساعَةِ الْجُمُعَةِ أَنَّهَا آخِرُ النَّهَارِ، فَيَكُونُ سَبَبُهَا الْوَقْتَ.
٤٤٩ - لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَصْفُ الرَّبِّ تَعَالَى بِالْقُرْبِ مِن كُلِّ شَيءٍ أَصْلًا؛ بَل قُرْبُهُ الَّذِي فِي الْقُرْآنِ خَاصٌّ لَا عَامٌّ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [البقرة: ١٨٦] فَهُوَ سُبْحَانَهُ قَرِيبٌ مِمَن دَعَاهُ.
وَكَذَلِكَ مَا فِي "الصَّحِيحَيْنِ" (١) عَن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُم كَانُوا مَعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- فِي سَفَرٍ فَكانُوا يَرْفَعُونَ أَصْوَاتَهُم بِالتَّكْبِيرِ، فَقَالَ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أنفُسِكُمْ؛ فَإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلَا غَائِبًا، إنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعًا قَرِيبًا، إن الَّذِي تَدْعُونَهُ أَقْرَبُ إلَى أَحَدِكُمْ مِن عُنُقِ رَاحِلَتِهِ".
فَقَالَ: "إنَّ الَّذِي تَدْعُونَهُ أقرَبُ إلَى أَحَدِكُمْ" لَمْ يَقُلْ إنَّهُ قَرِيبٌ إلَى كُلِّ مَوْجُودٍ.
(١) البخاري (٢٩٩٢)، ومسلم (٢٧٠٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute