فَيُسْتَفْتَحُ لَهَا فَيُقَالُ: مَن هَذَا؟ فَيُقَالُ: فُلَانٌ فَيَقُولُونَ: لَا مَرْحَبًا بِالنفْسِ الْخَبِيثَةِ، كَانَت فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، ارْجِعِي ذَمِيمَةً، فَإنَّهَا لَنْ تُفْتَحَ لَك أَبْوَابُ السَّمَاءِ، فَتُرْسَلُ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَتَصِيرُ إلَى قَبْرِهِ .. " (١) وَالْمَقْصُودُ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلَهُ: "فَيَصِيرُ إلَى قَبْرِهِ" كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ رُوِيَ مِن طُرُقٍ تُصَدِّقُ حَدِيثَ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ .. مَعَ أَنَّ سَائِرَ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمُتَوَاتِرَةِ تَدُلُّ عَلَى عَوْدِ الرُّوحِ إلَى الْبَدَنِ؛ إذ الْمَسْأَلَةُ لِلْبَدَنِ بِلَا رُوحٍ قَوْلٌ قَالَهُ طَائِفَةٌ مِن النَّاسِ، وَأَنْكَرَهُ الْجُمْهُورُ.
وَكَذَلِكَ السُّؤَالُ لِلرُّوحِ بِلَا بَدَنٍ: قَالَهُ ابْنُ مَيْسَرَةَ وَابْنُ حَزْمٍ.
وَلَو كَانَ كَذَلِكَ: لَمْ يَكُن لِلْقَبْرِ بِالرُّوحِ اخْتِصَاصٌ.
وَزَعَمَ ابْنُ حَزْمٍ أَنَّ لا الْعَوْدَ" لَمْ يَرْوِهِ إلَّا زاذان عَن الْبَرَاءِ وَضَعَّفَهُ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَهُ؛ بَل رَوَاهُ غَيْرُ زاذان عَن الْبَرَاءِ .. مَعَ أَنَّ زاذان مِن الثِّقَاتِ، رَوَى عَن أَكَابِرِ الصَّحَابَةِ كَعُمَر وَغَيْرِهِ، وَرَوَى لَهُ مُسْلِمٌ فِي "صَحِيحِهِ" وَغَيْرُهُ.
وَحَدِيثُ زاذان مِمَّا اتَّفَقَ السَّلَفُ وَالْخَلَفُ عَلَى رِوَايَتهِ وَتَلَقِّيه بِالْقَبُولِ.
وَأَرْوَاحُ الْمُومِنِينَ فِي الْجَنَّةِ وَإِن كَانَت مَعَ ذَلِكَ قَد تُعَادُ إلَى الْبَدَنِ؛ كَمَا أَنَّهَا تَكُونُ فِي الْبَدَنِ ويُعْرَجُ بِهَا إلَى السَّمَاءِ كَمَا فِي حَالِ النَّوْمِ: أَمَّا كَوْنُهَا فِي الْجَنَّةِ فَفِيهِ أَحَادِيثُ عَامَّة، وَقَد نَصَّ عَلَى ذَلِكَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ مِن الْعُلَمَاءِ، وَاحْتَجُّوا بِالْأَحَادِيثِ الْمَأثُورَةِ الْعَامَّةِ، وَأَحَادِيثَ خَاصَّةٍ فِي النَّوْمِ وَغَيْرِهِ.
فَالْأوَّلُ: مِثْلُ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ الْمَشْهُورِ .. أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يعلقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللهُ إلَى جَسَدِهِ"، فَأَخْبَرَ أَنَّهُ يعلقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يَرْجِعَ إلَى جَسَدِهِ، رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَد وَالنَّسَائِي وَابْنُ
(١) رواه ابن ماجه (٤٢٦٢)، وأحمد (٨٧٦٩)، وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه (٣٤٥٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute