للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَد رُوِيَ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- مِن رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِن الصَّحَابَةِ كَمَا ذَكَرْنَا قَبْلَ هَذَا، فَهوَ حَدِيث مُتَوَاتِرٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ.

وَاَلَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ: "إذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ".

فَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- قَد ذَكَرَ النُّزولَ أَيْضًا: "إذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأوَّلِ لا "وَإِذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ": فَقَوْلُهُ حَقٌّ، وَهُوَ الصَّادِقُ الْمَصْدُوقُ (١)، وَيَكُونُ النُّزُولُ أَنْوَاعًا ثَلَاثَةً: الْأَوَّلُ إذَا مَضَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ إذَا انْتَصَفَ وَهُوَ أَبْلَغ، ثُمَّ إذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ وَهُوَ أَبْلَغُ الْأَنْوَاعِ الثَّلَاثَةِ.

وَلَفْظُ "اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ" فِي كَلَامِ الشَّارعِ إذَا أُطْلِقَ: فَالنَّهَارُ مِن طُلُوعِ الْفَجْرِ كَمَا فِي قَولِهِ -سبحانه وتعالي-: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: ١١٤]، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "صُمْ يَوْمًا وَأفطِرْ يَوْمًا" (٢) وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّمَا أَرَادَ صَوْمَ النَّهَارِ مِن طُلُوعِ الْفَجْرِ، وَكَذَلِكَ وَقْتُ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَأَوَّلُ وَقْتِ الصِّيَامِ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ الْمَعْلُومِ لِلْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ وَالْإِجْمَاعِ الَّذِي لَا ريبَ فِيهِ بَيْنَ الْأُمَّةِ.

وَأَمَّا إذَا قَالَ الشَّارعُ -صلى الله عليه وسلم-: "نِصْفُ النَّهَارِ": فَإِنَّمَا يَعْنِي بِهِ: النَّهَارَ الْمُبْتَدِئَ مِن طُلُوعِ الشَّمْسِ، لَا يُرِيدُ قَطُّ -لَا فِي كَلَامِهِ وَلَا فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِن عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِنِصْفِ النَّهَارِ- النَّهَارَ الَّذِي أَوَّلُهُ مِن طُلُوعِ الْفَجْرِ؛ فَإِنَّ نِصْفَ هَذَا يَكُونُ قَبْلَ الزَّوَالِ.

وَالنَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا أَخْبَرَ بِالنُّزُولِ إذَا بَقِيَ ثُلُثُ اللَّيْلِ، فَهَذَا اللَّيْلُ الْمُضَافُ إلَيْهِ الثُّلُث يَظْهَرُ أَنَّهُ مِن جِنْسِ النَّهَارِ الْمُضَافِ إلَيْهِ النِّصْفُ، وَهُوَ الَّذِي يَنْتَهِي إلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ.


(١) رحمه الله تعالى، ما أشدّ تعظيمه للشريعة، وما أعظم انقياده للكتاب والسُّنَّة، وهو بهذا يُذكرنا بموقف أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- حينما جاء إليه كفار قريش فقالوا: هل لك إلى صاحبك يزعم أنه أسري به الليلة إلى بيت المقدس؟ قال: أو قال ذلك؟ قالوا: نعم. قال: لئن كان قال ذلك لقد صدق، قالوا: أو تصدقه أنه ذهب الليلة إلى بيت المقدس وجاء قبل أن يصبح؟ قال: نعم إني لأصدقه فيما هو أبعد من ذلك، أصدقه بخبر السماء في غدوة أو روحة.
(٢) رواه البخاري (١٩٧٦)، ومسلم (١١٥٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>