للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَغَيْر ذَلِكَ، وَلَا يَرَى أَنْ يَتَسَمَّى أَحَدٌ فِي الْأُصُولِ إلَّا بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَهَذِهِ طَرِيقَة جَيِّدَةٌ، لَكِنَّ هَذَا مِمَّا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ؛ فَإنَّ مَسَائِلَ الدِّقِّ (١) فِي الْأصُولِ لَا يَكَادُ يَتَّفِقُ عَلَيْهَا طَائِفَةٌ؛ إذ لَو كَانَ كَذَلِكَ لَمَا تَنَازَعَ فِي بَعْضِهَا السَّلَفُ مِن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَقَد يُنْكَرُ الشَّيْءُ فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ، وَعَلَى شَخْصٍ دُونَ شَخْصٍ.

وَأَصلُ هَذَا: أَنَّ الْمَسَائِلَ الْخَبَرِيَّةَ قَد يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمَسَائِلِ الْعَمَلِيَّةِ، وَإِن سُمِّيَتْ تِلْكَ "مَسَائِلَ أُصُولٍ"، وَهَذِهِ "مَسَائِلَ فُرُوع"؛ فَإِنَّ هَذِهِ تَسْمِيَة مُحْدَثَةٌ، قَسَّمَهَا طَائِفَةٌ مِن الْفُقَهَاءِ وَالْمُتَكَلِّمِين، وَهُوَ عَلَى الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْأُصُولِيِّينَ أَغْلَبُ، لَا سِيَّمَا إذَا تَكَلَّمُوا فِي مَسَائِل التَّصْوِيبِ وَالتَّخْطِئَةِ.

وَأَمَّا جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ الْمُحَقِّقِينَ وَالصُّوفِيَّةِ فَعِنْدَهُم أَنَّ الْأَعْمَالَ أَهَمّ وَآكَدُ مِن مَسَائِل الْأَقْوَالِ الْمُتَنَازَعِ فِيهَا (٢).


(١) أي: الدقيقة. انظر: لسان العرب، مادة: "دقق".
(٢) يُستفاد من كلام الشيخ -رحمه الله- ما يلي:
أولًا: أنّ الأولى للمسلم أنْ يتسمى بالاسم الذي ارتضاه الله تعالى وسمى به المسلمين؛ كاسم الإسلام وأهل السُّنَّة والجماعة، وهذه هي الطريق التي قال عنها الشيخ: جيدة، ولا ينبغي الانتساب لغيرها؛ كالحنبلية ونحوها، وقد قال -رحمه الله-: لَكِنَ مُجَرَّدَ الِانْتِسَابِ إلَى الْأشْعَرِيِّ بِدْعَةٌ. اهـ. (٦/ ٣٥٩)، إلا في باب الفروع الفقهية؛ فالأمر فيه واسع.
ثانيًا: أنّ التسمي بغير ما سمانا الله به مما يسوغ فيه الاجتهاد، فلو انتسب إلى الحنابلة في باب الاعتقاد أو إلى غيرهم بشرط سلامة العقيدة فإنه لا يُنكر عليه، وقد كثرت التسميات في العصر الحديث، وذلك للحاجة إليها في بعض الدول.
ثالثًا: أنّ هناك مسائل دقيقة خفية، وهناك مسائل كبيرة ظاهرة، أما المسائل الدقيقة الخفية: وهي التي يخفى دليلها، أو يندر ورودها ويعسر فهم تفاصيلها: فهذه المسائل أخطأ في بعضها بعضُ السلف من الصحابة والتابعين، ولا يجوز أنْ يجري السباب والتبديع بين المسلمين فيها.
وأما المسائل الكبيرة الظاهرة، وهي التي ظهر لجميع أو أغلب الناس دليلها وحكمها: فهذه لا يجوز الخلاف فيها، ويجب الإنكار على من خالف فيها بالحكمة والموعظة الحسنة.
رابعًا: أن الإنكار يختلف حسب الأحوال والأشخاص، فقد يقترف شخصان بدعة أو حرامًا، فيُنكر على أحدهما ولا يُنكر على الآخر، فقد يكون أحدهما حديث عهد بالإسلام، أو =

<<  <  ج: ص:  >  >>