ب - وَمَسْألَةُ الْقُرْآنِ.
ت - وَمَسْأَلَةُ تَأوِيلِ الصِّفَاتِ.
فَقُلْت لَهُ: نَبْدَأ بِالْكَلَامِ عَلَى مَسْألَةِ تَأوِيلِ الصِّفَاتِ؛ فَإِنَّهَا الْأمُّ وَالْبَاقِي مِن الْمَسَائِلِ فَرْعٌ عَلَيْهَا.
وَقُلْت لَهُ: مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَهُم السَّلَفُ مِن الْقُرُونِ الثَّلَاثَةِ وَمَن سَلَكَ سَبِيلَهُم مِن الْخَلَفِ: أَنَّ هَذِهِ الأحَادِيثَ تُمَرُّ كَمَا جَاءَتْ، ويُؤْمَنُ بِهَا وَتُصَدَّقُ، وَتُصَانُ عَن تَأوِيلٍ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلٍ، وَتَكْيِيفٍ يُفْضِي إلَى تَمْثِيلٍ.
وَقَد أَطْلَقَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَن حَكَى إجْمَاعَ السَّلَفِ -مِنْهم الخطابي- مَذْهَبَ السَّلَفِ: أَنَّهَا تُجْرى عَلَى ظَاهِرِهَا مَعَ نَفْيِ الْكَيْفِيَّةِ وَالتَّشْبِيهِ عَنْهَا؛ وَذَلِكَ أنَّ الْكَلَامَ فِي الصِّفَاتِ فَرْعٌ عَلَى الْكَلَامِ فِي الذَّاتِ، يُحْتَذَى حَذْوُهُ، ويُتَّبَعُ فِيهِ مِثالُهُ؛ فَإذَا كَانَ إثْبَاتُ الذَّاتِ إثْبَاتَ وُجُودٍ لَا إثْبَاتَ كَيْفِيَّةٍ: فَكَذَلِكَ إثْبَات الصِّفَاتِ إثْبَاتُ وُجُودٍ لَا إثْبَاتُ كَيْفِيَّةٍ.
فَنَقُولُ: إنَّ لَهُ يَدًا وَسَمْعًا، وَلَا نَقُولُ إنَّ مَعْنَى الْيَدِ الْقُدْرَةُ، وَمَعْنَى السَّمْعِ الْعِلْمُ.
فَقُلْت لَهُ: وَبَعْضُ النَّاسِ يَقُولُ: مَذْهَبُ السَّلَفِ أَنَّ الظَّاهِرَ غَيْرُ مُرَادٍ وَيَقُولُ: أَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّ الظَّاهِرَ غَيْرُ مُرَادٍ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ خَطَأٌ: إمَّا لَفْظًا وَمَعْنًى، أَو لَفْظًا لَا مَعْنًى؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ قَد صَارَ مُشْتَرِكًا بَيْنَ شَيْئَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنْ يُقَالَ: إنَّ الْيَدَ جَارِحَةٌ مِثْلُ جَوَارحِ الْعِبَادِ، وَظَاهِرُ الْغَضَبِ غَلَيَانُ الْقَلْبِ لِطَلَب الِانْتِقَامِ، وَظَاهِرُ كَوْنِهِ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَكُونَ مِثْل الْمَاءِ فِي الظَّرْفِ، فَلَا شَكَّ أنَّ مَن قَالَ: إنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ وَشِبْهَهَا مِن صفَاتِ الْمَخْلُوقِينَ وَنُعُوتِ الْمُحْدَثِينَ غَيْرُ مُرَادٍ مِن الْآيَاتِ وَالْأحَادِيثِ فَقَد صَدَقَ وَأَحْسَنَ.
لَكِنَّ هَذَا الْقَائِلَ أَخْطَأَ حَيْثُ ظَنَّ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الظَّاهِرُ مِن هَذِهِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ، وَحَيْثُ حكى عَن السَّلَفِ مَا لَمْ يَقُولُوهُ؛ فَإِنَّ ظَاهِرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute