للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَأَدْنَاهَا إمَاطَةُ الأَذَى عَن الطَّرِيقِ" (١).

وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَحَادِيثِ الَّتِي يُجْعَلُ فِيهَا أعْمَالُ الْبِرِّ مِن الْإِيمَانِ.

ثُمَّ إنْ نَفْىَ الْإِيمَانَ عِنْدَ عَدَمِهَا (٢): دَلَّ عَلَى أَنَّهَا وَاجِبَةٌ.

وَإِن ذَكَرَ فَضْلَ إيمَانِ صَاحِبِهَا -وَلَمْ يَنْفِ إيمَانَهُ-: دَلَّ عَلَى أَنَّهَا مُسْتَحَبَّة.

فَمَن قَالَ: إنَّ الْمَنْفِيَّ هُوَ الْكَمَالُ: فَإنْ أَرَادَ أَنَّهُ نَفْيُ الْكَمَالِ الْوَاجِبِ الَّذِي يُذَمُّ تَارِكُهُ وَيتَعَرَّضُ لِلْعُقُوبَةِ: فَقَد صَدَقَ.

وَإِن أَرَادَ أَنَّهُ نَفْيُ الْكَمَالِ الْمُسْتَحَبِّ: فَهَذَا لَمْ يَقَعْ قَطُّ فِي كَلَامِ اللهِ وَرَسُولِهِ. [٧/ ١٣ - ١٥]

وَالْمَقْصُودُ هُنَا: أَنَّ كُل مَا نَفَاهُ اللهُ وَرَسُولُهُ مِن مُسَمَّى أَسْمَاء الْأمُورِ الْوَاجِبَةِ؛ كَاسْمِ الْإِيمَانِ، وَالْإِسْلَامِ، وَالدِّينِ، وَالصَّلَاةِ، وَالصِّيَامِ، وَالطَّهَارَةِ، وَالْحَجِّ، وَغَيْرِ ذَلِكَ: فَإِنَّمَا يَكُونُ لِتَرْكِ وَاجِبٍ مِن ذَلِكَ الْمُسَمَّى، وَمِن هَذَا قَوْله تَعَالَى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (٦٥)} النساء: ٦٥، فَلَمَّا نَفَى الْأِيمَانَ حَتَّى تُوجَدَ هَذِهِ الْغَايَةُ دَلَّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْغَايَةَ فَرْضٌ عَلَى النَّاسِ، فَمَن تَرَكَهَا كَانَ مِن أَهْلِ الْوَعِيدِ لَمْ يَكُن قَد أَتَى بِالْإِيمَانِ الْوَاجِبِ الَّذِي وُعِدَ أَهْلُهُ بِدُخُولِ الْجَنَّةِ بِلَا عَذَابٍ؛ فَإِنَّ اللهَ إنَّمَا وَعَدَ بِذَلِكَ مَن فَعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ، وَأَمَّا مَن فَعَلَ بَعْضَ الْوَاجِبَاتِ وَتَرَكَ بَعْضَهَا فَهُوَ مُعَرَّضٌ لِلْوَعِيدِ. [٧/ ٣٧]

وَحَقِيقَةُ الْفَرْقِ (٣): أنَّ الْإِسْلَامَ دِينٌ، وَالدِّينُ: مَصْدَرُ دَانَ يَدِينُ دِينًا: إذَا خَضَعَ وَذَلَّ، وَدِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي ارْتَضَاهُ اللهُ وَبَعَثَ بِهِ رُسُلَهُ هُوَ الِاسْتِسْلَامُ للهِ وَحْدَهُ، فَأَصْلُة فِي الْقَلْبِ هُوَ الْخُضُوعُ للهِ وَحْدَهُ بِعِبَادَتِهِ وَحْدَهُ دُونَ مَا سِوَاهُ.


(١) رواه مسلم (٣٥).
(٢) كقوله: "لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه".
(٣) بَيْن الإسلام والإيمان، وقد أتى بالفرق الدقيق الواضح المقنع.

<<  <  ج: ص:  >  >>