للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وَقَد يُذْكَرُ الصَّالِحُ مَعَ غَيْرِهِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء: ٦٩]، قَالَ الزَّجَّاجُ وَغَيْرُهُ: الصَّالِحُ: الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ.

وَلَفْظُ الصَّالِحِ خِلَافُ الْفَاسِدِ، فَإِذَا أُطْلِقَ فَهُوَ الَّذِي أَصْلَحَ جَمِيعَ أَمْرِهِ، فَلَمْ يَكُن فِيهِ شَيءٌ مِن الْفَسَادِ، فَاسْتَوَتْ سَرِيرَتُهُ وَعَلَانِيَتُهُ، وَأَقْوَالُهُ وَأَعْمَالُهُ عَلَى مَا يُرْضِي رَبَّهُ، وَهَذَا يَتَنَاوَلُ النَّبِيِّينَ وَمَن دُونَهُمْ.

وَلَفْظُ الصّدِّيقِ: قَد جُعِلَ هُنَا مَعْطُوفًا عَلَى النَّبِيِّينَ، وَقَد وَصَفَ بِهِ النَّبِيِّينَ فِي مِثْل قَوْلِهِ: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (٤١)} [مريم: ٤١]، {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (٥٦)} [مريم: ٥٦].

وَكَذَلِكَ الشَّهِيدُ قَد جُعِلَ هُنَا قَرِينَ الصّدِّيقِ وَالصَّالِحِ، وَقَد قَالَ: {وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ} [الزمر: ٦٩]، وَلَمَّا قُيِّدَت الشَّهَادَةُ عَلَى النَّاسِ وُصِفَتْ بِهِ الْأُمَّةُ كُلُّهَا فِي قَوْلِهِ: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: ١٤٣]، فَهَذ شَهَادَةٌ مُقَيَّدَةٌ بِالشَّهَادَةِ عَلَى النَّاسِ؛ كَالشَّهَادَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ: {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} [النور: ١٣]، وَقَوْلِهِ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢].

وَلَيْسَتْ هَذ الشهَادَةُ الْمُطْلَقَةُ فِي الْآيَتَيْنِ؛ بَل ذَلِكَ كَقَوْلِهِ: {وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ} [آل عمران: ١٤٠].

وَكَذَلِكَ لَفْظُ الْمَعْصِيَةِ وَالْفُسُوقِ وَالْكُفْرِ: فَإِذَا أُطْلِقَتْ الْمَعْصِيَةُ للهِ وَرَسُولِهِ دَخَلَ فِيهَا الْكُفْرُ وَالْفُسُوقُ؛ كَقَوْلِهِ: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا} [الجن: ٢٣].

وَقَالَ (١) فِيمَن يَجُورُ فِي الْمَوَارِيثِ: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ


(١) هذه أمثلة للمعصية المقيدة، التي لا يدخل فيها الكفر.

<<  <  ج: ص:  >  >>