فَالظَّالِمُ الْمُطْلَقُ مَالَهُ مِن شَفِيعٍ مُطَاعٍ، وَأَمَّا الْمُوَحِّدُ فَلَمْ يَكُن ظَالِمًا مُطْلَقًا؛ بَل هُوَ مُوَحِّدٌ مَعَ ظُلْمِهِ لِنَفْسِهِ.
وَهَذَا إنَّمَا نَفَعَهُ فِي الْحَقِيقَةِ إخْلَاصُهُ للهِ فَبِهِ صَارَ مِن أَهْل الشَّفَاعَةِ.
ج - وَأَمَّا الظُّلْمُ الْمُقَيَّدُ: فَقَد يَخْتَصُّ بِظُلْمِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ، وَظُلْمِ النَّاسِ بَعْضَهُم بَعْضًا؛ كَقَوْلِ آدَمَ -عليه السلام- وَحَوَّاءَ: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا} [الأعراف: ٢٣]، وَقَوْلِ مُوسَى: {رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي} [النمل: ٤٤]، وقَوْله تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ} [آل عمران: ١٣٥].
لَكِنَّ قَوْلَ آدمَ وَمُوسَى إخْبَارٌ عَن وَاقِعٍ لَا عُمُومَ فِيهِ، وَذَلِكَ قَد عُرِفَ وَللهِ الْحَمْدُ أَنَّهُ لَيْسَ كفْرًا.
وَأَمَّا قَوْلُهُ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} [آل عمران: ١٣٥] فَهُوَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ الشَّرْطِ، يَعُمُّ كُلَّ مَا فِيهِ ظُلْمُّ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ، وَهُوَ إذَا أَشْرَكَ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللهُ عَلَيْهِ.
وَقَد تَقَدَّمَ أَنَّ ظُلْمَ الْإِنْسَانِ لِنَفْسِهِ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ ذَنْبٍ كَبِيرٍ أَو صَغِيرٍ مَعَ الْإِطْلَاقِ.
وَقَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ} [فاطر: ٣٢]، فَهَذَا ظُلْمٌ لِنَفْسِهِ مَقْرُونٌ بِغَيْرِهِ، فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الشرْكُ الْأَكْبَرُ.
وَفي "الصَّحِيحَيْنِ" (١) عَن ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ لَمَّا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: ٨٢]، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم - وَقَالُوا: أَيُّنَا لَمْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ؟ فَقَالَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ، ألَمْ تَسْمَعُوا إلَى قَوْلِ الْعَبْدِ الصَّالِحِ: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣].
(١) البخاري (٣٢)، ومسلم (١٢٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute