للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَفِي حَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ -وَهُوَ حَدِيث حَسَنٌ طَوِيلٌ رَوَاهُ أَحْمَد

وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا- وَكَانَ قَد قَدِمَ عَلَى النَبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- وهُوَ نَصْرَانِيٌّ فَسَمِعَهُ يَقْرأُ هَذِهِ الْآيَةَ قَالَ: فَقُلْت لَهُ: إنَّا لَسْنَا نَعْبُدُهُمْ.

قَالَ: أَلَيْسَ يُحَرِّمُونَ مَا أَحَل اللهُ فَتُحَرِّمُونَهُ، وَيُحِلُّونَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَتُحِلُّونَهُ؟

قَالَ: فَقُلْت: بَلَى.

قَالَ: فَتِلْكَ عِبَادَتُهُمْ (١).

فَقَد بَيَّنَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّ عِبَادَتَهُم إيَّاهُم كَانَت فِي تَحْلِيلِ الْحَرَامِ وَتَحْرِيمِ الْحَلَالِ، لَا أَنَّهُم صَلَّوْا لَهُم وَصَامُوا لَهُم وَدَعَوْهُم مِن دُونِ اللهِ، فَهَذِهِ عِبَادَةٌ لِلرِّجَالِ، وَتِلْكَ عِبَادَةٌ لِلْأَمْوَالِ، وَقَد بَيَّنهَا النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-، وَقَد ذَكَرَ اللهُ أَنَّ ذَلِكَ شِرْكٌ بِقَوْلِهِ: {لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ}.

وَلَا رَيْبَ أَنَّهَا تَتَنَاوَلُ الشّرْكَيْنِ: الْأَصْغَرَ وَالْأكْبَرَ، وَتَتَنَاوَلُ أَيْضًا مَن اسْتَكْبَرَ عَمَّا أَمَرَهُ اللهُ بِهِ مِن طَاعَتِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِن تَحْقِيقِ قَوْلِ لَا إلهَ إلَّا اللهُ؛ فَإِنَّ الْإِلَهَ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ، فَكُلُّ مَا يُعْبَدُ بِهِ اللهُ فَهُوَ مِن تَمَامِ تَأَلُّهِ الْعِبَادِ لَهُ، فَمَن اسْتَكْبَرَ عَن بَعْضِ عِبَادَتِهِ سَامِعًا مُطِيعًا فِي ذَلِكَ لِغَيْرِهِ؛ لَمْ يُحَقِّقْ قَوْلَ: لَا إلهَ إلَّا اللهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ.

وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ اتَخَذُوا أَحْبَارَهُم وَرُهْبَانَهُم أَرْبَابًا -حَيْثُ أَطَاعُوهُم فِي تَحْلِيلِ مَا حَرَّمَ اللهُ وَتَحْرِيمِ مَا أَحَل اللهُ- يَكُونُونَ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أنْ يَعْلَمُوا أَنَّهُم بَدَّلُوا دِينَ اللهِ فَيَتْبَعُونَهُم عَلَى التَّبْدِيلِ، فَيَعْتَقِدُونَ


= أَنْفُسَهُم مِنَ اسْتِعْمَالِ أَشْرَفِ النِّعَمِ الْغَرِيزِيَّةِ وَهُوَ الْعَقْلُ، وَحَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أفْضَلَ الْفَضَائِل الْكَسْبِيَّةِ وَهُوَ الْعِلْمُ وَالْفَهْمُ.
فَالْفَوْزُ وَالْفَلَاحُ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا لَا يَتِمُّ إِلَّا بِالْعِلْمِ الصَّحِيحِ وَالْعَزِيمَةِ الْحَافِزَةِ إِلَى الْعَمَلِ بِالْعِلْمِ، فَمَن خَسِرَ إِحْدَى الْفَضِيلَتَيْنِ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَسِرَ نَفْسَهُ سَوَاءً كَانَ فَرْدًا، أَو أُمَّةً، فَمَا بَالُ مَن خَسِرَهُمَا كِلْتَيْهِمَا وَالْعِيَاذُ بِاللهِ تَعَالَى. اهـ. تفسير المنار (٧/ ٢٨٣).
(١) رواه الترمذي (٣٠٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>