للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: ١٤]، ثُمَّ قَالَ: {وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا}؛ فَدَلَّ عَلَى أنَّهُم إذَا أَطَاعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ مَعَ هَذَا الْإِسْلَامِ: آجَرَهُم اللهُ عَلَى الطَّاعَةِ، وَالْمُنَافِقُ عَمَلُهُ حَابِطٌ فِي الْآخِرَةِ.

* * *

قَالَ تعالى: {يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٧)} [الحجرات: ١٧] يَعْنِي: فِي قَوْلِكُمْ: {آمَنَّا}.

يَقُولُ: {إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ}؛ فَاللّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكمْ لِلْإِيمَانِ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُم قَد يَكُونُونَ صَادِقِينَ فِي قَوْلِهِمْ: {آمَنَّا}.

ثُمَّ صِدْقُهُمْ:

- إمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ اتِّصَافُهُم بِأنَهُم {آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (١٥)} [الحجرات: ١٥].

- وإمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ أَنَّهُم لَمْ يَكُونُوا كَالْمُنَافِقِينَ؛ بَل مَعَهُم إيمَانٌ وإن لَمْ يَكُن لَهُم أَنْ يَدَّعُوا مُطْلَقَ الْإِيمَانِ، وَهَذَا اشْبَهُ وَاللهُ أَعْلَمُ؛ لِأَنَّ النِّسْوَةَ الْمُمْتَحَنَاتِ قَالَ فِيهِنَّ: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: ١٠]، وَلَا يُمْكِنُ نَفْيُ الرَّيْبِ عَنْهُنَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ.

وَلأنَّ اللهَ إنَّمَا كَذَّبَ الْمُنَافِقِينَ وَلَمْ يُكَذِّبْ غَيْرَهُمْ، وَهَؤُلَاءِ لَمْ يُكذّبْهُم وَلَكِنْ قَالَ: {لَمْ تُؤْمِنُوا} [الحجرات: ١٤] كَمَا قَالَ: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" (١) .. وَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا مُنَافِقِينَ.

وَسِيَاقُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللهَ ذَمَّهم لِكَوْنِهِمْ مَنَّوْا بِإسْلَامِهِمْ لِجَهْلِهِمْ وَجَفَائِهِمْ، وَأَظْهَرُوا مَا فِي أَنْفُسِهِمْ مَعَ عِلْمِ اللهِ بِهِ؛ فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: {قُلْ


(١) رواه البخاري (١٣)، ومسلم (٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>