للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أَيْ: حُصُولُ هَذَا الْوَسْوَاسِ مَعَ هَذِهِ الْكَرَاهَةِ الْعَظِيمَةِ لَهُ وَدَفْعه عَن الْقَلْبِ: هُوَ مِن صَرِيحِ الْإِيمَانِ، كَالْمُجَاهِدِ الَّذِي جَاءَهُ الْعَدُوُّ فَدَافَعَهُ حَتَّى غَلَبَهُ، فَهَذَا أَعْظَمُ الْجِهَادِ.

وَالصَّرِيحُ: الْخَالِصُ؛ كَاللَّبَنِ الصَّرِيحِ.

وَإِنَّمَا صَارَ صَرِيحًا: لَمَّا كَرِهُوا تِلْكَ الْوَسَاوِسَ الشَّيْطَانِيَّةَ وَدَفَعُوهَا، فَخَلَصَ الْإِيمَانُ فَصَارَ صَرِيحًا.

وَلَا بُدَّ لِعَامَّةِ الْخَلْقِ مِن هَذِهِ الْوَسَاوِسِ:

- فَمِن النَّاسِ مَن يُجِيبُهَا فَيَصِيرُ كَافِرًا أَو مُنَافِقًا.

- وَمِنْهُم مَن قَد غَمَرَ قَلْبَهُ الشَّهَوَاتُ وَالذُّنُوبُ، فَلَا يُحِسُّ بِهَا إلَّا إذَا طَلَبَ الدِّينَ، فَإِمَّا أَنْ يَصِيرَ مُؤْمِنًا وَإِمَّا أَنْ يَصِيرَ مُنَافِقًا.

وَلهَذَا يَعْرِضُ لِلنَّاسِ مِن الْوَسَاوِسِ فِي الصَّلَاةِ مَا لَا يَعْرِضُ لَهُم إذَا لَمْ يُصَلُّوا؛ لِأَنَّ الشَّيْطَانَ يَكْثُرُ تَعَرُّضُهُ لِلْعَبْدِ إذَا أَرَادَ الْإِنَابَةَ إلَى رَبِّهِ وَالتَّقَرُّبَ إلَيْهِ وَالِاتِّصَالَ بِهِ؛ فَلِهَذَا يَعْرِضُ لِلْمُصَلِّينَ مَا لَا يَعْرِضُ لِغَيْرِهِمْ، وَيَعْرِضُ لِخَاصَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ أَكْثَرَ مِمَّا يَعْرِضُ لِلْعَامَّةِ؛ وَلهَذَا يُوجَدُ عِنْدَ طُلَّابِ الْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ مِن الْوَسَاوِسِ وَالشُّبُهَاتِ مَا لَيْسَ عِنْدَ غَيْرِهِمْ (١)؛ لِأَنَّهُ (٢) لَمْ يَسْلُكْ شَرْعَ اللهِ وَمِنْهَاجَهُ بَل هُوَ مُقْبِلٌ عَلَى هَوَاهُ فِي غَفْلَةٍ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ، وَهَذَا مَطْلُوبُ الشَّيْطَانِ.

بِخِلَافِ الْمُتَوَجِّهِينَ إلَى رَبِّهِم بِالْعِلْمِ وَالْعِبَادَةِ؛ فَإنَّهُ عَدُوُّهُم يَطْلُبُ صَدَّهُم عَن اللهِ، قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: ٦]، وَلهَذَا أَمَرَ قَارِئَ الْقُرْآنِ أَنْ يَسْتَعِيذَ بِاللهِ مِن الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ؛ فَإِنَّ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ عَلَى الْوَجْهِ الْمَأْمُورِ بِهِ تُورِثُ الْقَلْبَ الْإِيمَانَ الْعَظِيمَ، وَتَزِيدُهُ يَقِينًا وَطُمَأْنِينَةً وَشِفَاءً.


(١) وهذا في بداية طلب العلم والاستقامة، أما حينما يسلكون الجادة في العلم والعبادة المبنية على الكتاب والسُّنَّة: فلا يكاد يجد الشيطان طريقًا إلى قلوبهم.
(٢) أي: من عدا طُلَّاب الْعِلْمِ وَالْعِبَادَة، من أصحاب الشهوات واللهو والغفلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>