٥٤٣ - اللهُ تَعَالَى يُحِبُّ تَمْيِيزَ الْخَبِيثِ مِن الطَّيِّبِ وَالْحَقِّ مِن الْبَاطِلِ، فَيُعْرَفُ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَصْنَافَ: مُنَافِقُونَ أَو فِيهِمْ نِفَاقٌ وَإِن كَانُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّ كَوْنَ الرَّجُلِ مُسْلِمًا فِي الظَّاهِرِ لَا يَمْنَعُ أَنْ يَكُونَ مُنَافِقًا فِي الْبَاطِنِ؛ فَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ كلَّهُم مُسْلِمُونَ فِي الظَّاهِرِ، وَالْقُرْآنُ قَد بَيَّنَ صِفَاتِهِمْ وَأَحْكَامَهُم.
وَإِذَا كَانُوا مَوْجُودِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- وَفِي عِزَّةِ الْإِسْلَامِ مَعَ ظُهُورِ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَنُورِ الرِّسَالَةِ: فَهُم مَعَ بُعْدِهِمْ عَنْهُمَا أَشَدُّ وُجُودًا، لَا سِيَّمَا وَسَبَبُ النِّفَاقِ هُوَ سَبَبُ الْكُفْرِ، وَهُوَ الْمُعَارِضُ لِمَا جَاءَت بِهِ الرُّسُلُ. [٢٨/ ٢٠٢]
٥٤٤ - هُنَا نفاقان:
أ- نِفَاقٌ لِأَهْلِ الْعِلْمِ وَالْكَلَامِ.
ب- وَنِفَاقٌ لِأهْلِ الْعَمَلِ وَالْعِبَادَةِ.
فَأَمَّا النِّفَاق الْمَحْضُ الَّذِي لَا رَيْبَ فِي كُفْرِ صَاحِبِهِ: فَأَنْ لَا يَرَى وُجُوبَ تَصْدِيقِ الرَّسُولِ فِيمَا أَخْبَرَ بِهِ، وَلَا وُجُوبَ طَاعَتِهِ فِيمَا أَمَرَ بِهِ، وَإِن اعْتَقَدَ مَعَ ذَلِكَ أَنَّ الرَّسُولَ عَظِيمُ الْقَدْرِ عِلْمًا وَعَمَلًا.
أَمَّا النِّفَاقُ الَّذِي هُوَ دُونَ هَذَا:
- فَأنْ يَطْلُبَ الْعِلْمَ بِاللهِ مِن غَيْرِ خَبَرِهِ.
- أَو الْعَمَلَ للهِ مِن غَيْرِ أَمْرِهِ.
كَمَا يُبْتَلَى بِالْأَوَّلِ كَثِيرٌ مِن الْمُتَكَلِّمَةِ.
وَبِالثَّانِي كَثِيرٌ مِن الْمُتَصَوِّفَةِ.
فَهُم يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُ يَجِبُ تَصْدِيقُهُ أَو تَجِبُ طَاعَتُهُ، لَكِنَّهُم فِي سُلُوكِهِم الْعِلْمِيِّ وَالْعَمَلِيِّ غَيْرَ سَالِكِينَ هَذَا الْمَسْلَكَ؛ بَل يَسْلُكُونَ مَسْلَكًا آخَرَ:
- إمَّا مِن جِهَةِ الْقِيَاسِ وَالنَّظَرِ.
- وَإِمَّا مِن جِهَةِ الذَّوْقِ وَالْوَجْدِ.