لَكنْ إذَا كَانَ يَشُكُّ فِي ذَلِكَ فَيَقُولُ: فَعَلْته إنْ شَاءَ اللهُ.
قَالُوا: فَمَن اسْتَثْنَى فِي إيمَانِهِ فَهُوَ شَاكٌّ فِيهِ، وَسَمَّوْهُم الشَّكَّاكَةَ.
وَاَلَّذِينَ أَوْجَبُوا الِاسْتِثْنَاءَ لَهُم مَأْخَذَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ مَا مَاتَ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ، وَالْإِنْسَانُ إنَّمَا يَكُونُ عِنْدَ اللهِ مُؤْمِنًا وَكَافِرًا بِاعْتِبَارِ الْمُوَافَاةِ وَمَا سَبَقَ فِي عِلْمِ اللهِ أَنَّهُ يَكونُ عَلَيْهِ، وَمَا قَبْلَ ذَلِكَ لَا عِبْرَةَ بِهِ.
وَمَأْخَذُ هَذَا الْقَوْلِ: طَرَدَهُ طَائِفَةٌ مِمَن كَانُوا فِي الْأَصْلِ يَسْتَثْنُونَ فِي الْإِيمَانِ اتِّبَاعًا لِلسَّلَفِ، وَكَانوا قَد أَخَذُوا الِاسْتِثْنَاءَ عَن السَّلَفِ، وَكَانَ أَهْلُ الشَّامِ شَدِيديْنَ عَلَى الْمُرْجِئَةِ .. وَاسْتَثْنَوْا أَيْضًا فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ كَقَوْلِ الرَّجُلِ: صَلَّيْت إنْ شَاءَ اللهُ وَنَحْو ذَلِكَ، بِمَعْنَى الْقَبُولِ؛ لِمَا فِي ذَلِكَ مِن الْآثَارِ عَن السَّلَفِ.
ثُمَّ صَارَ كَثِيرٌ مِن هَؤُلَاءِ بِآخرَةٍ يَسْتَثْنُونَ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَيَقُولُ: هَذَا ثَوْبِي إنْ شَاءَ اللهُ، وَهَذَا حَبْلٌ إنْ شَاءَ اللهُ.
فَإِذَا قِيلَ لِأَحَدِهِمْ: هَذَا لَا شَكَّ فِيهِ.
قَالَ: نَعَمْ لَا شَكَّ فِيهِ، لَكِنْ إذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يُغَيِّرَهُ غَيرَهُ.
فَيُرِيدُونَ بِقَوْلِهِمْ إنْ شَاءَ اللهُ جَوَازَ تَغْيِيرِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، وَإِن كَانَ فِي الْحَالِ لَا شَكَّ فِيهِ؛ كَأَنَّ الْحَقِيقَةَ عِنْدَهُم الَّتِي لَا يُسْتَثْنَى فِيهَا مَا لَمْ تَتَبَذَلْ، كَمَا يَقُولُهُ أولَئِكَ فِي الْإِيمَانِ: إنَّ الْإِيمَانَ مَا عَلِمَ اللهُ أَنَّهُ لَا يَتَبَدَّلُ حَتَّى يَمُوتَ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ.
لَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ قَالَهُ قَوْمٌ مِن أَهْلِ الْعِلْمِ وَالدِّينِ بِاجْتِهَاد وَنَظَرٍ، وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَسْتَثْنُونَ فِي كُلِّ شَيْءٍ تَلَقَّوْا ذَلِكَ عَن بَعْضِ أَتْبَاعِ شَيْخِهِمْ، وَشَيْخُهُم الَّذِي يَنْتَسِبُونَ إلَيْهِ يُقَالُ لَهُ: أَبُو عَمْرٍو عُثْمَانُ بْنُ مَرْزُوقٍ لَمْ يَكُن مِمَن يَرَى هَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute