للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَمَذْهَبُ هَؤُلَاءِ بَاطِلٌ بِدَلَائِلَ كَثِيرَةٍ مِن الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ؛ فَإِنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ أَمَرَ بِقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ دُونَ قَتْلِهِ، وَلَو كَانَ كَافِرًا مُرْتَدًّا لَوَجَبَ قَتْلُهُ؛ لِأنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "مَن بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ" (١)، وَقَالَ: "لَا يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلَّا بِإِحْدَى ثَلَاثٍ: كُفْرٍ بَعْدَ إسْلَامٍ، وَزنًى بَعْدَ إحْصَانٍ، أَو قَتْلِ نَفْسٍ يُقْتَلُ بِهَا" (٢).

وَأَمَرَ سُبْحَانَهُ أَنْ يُجْلَدَ الزَّانِي وَالزَّانِيَةُ مِائَةَ جَلْدَةٍ، وَلَو كَانَا كَافِرَيْنِ لَأَمَرَ بِقَتلِهِمَا.

وَأَمَرَ سُبْحَانَهُ بِأَنْ يُجْلَدَ قَاذِفُ الْمُحْصَنَةِ ثَمَانِينَ جَلْدَةً، وَلَو كَانَ كَافِرًا لَأَمَرَ بِقَتْلِهِ.

فَلَمَّا شَاعَ فِي الْأُمَّةِ أَمْرُ الْخَوَارجِ تَكلَّمَت الصَّحَابَةُ فِيهِمْ، وَرَوَوْا عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- الْأَحَادِيثَ فِيهِمْ، وَبَيَّنُوا مَا فِي الْقُرْآنِ مِن الرَّدِّ عَلَيْهِمْ، وَظَهَرَتْ بِدْعَتُهُم فِي الْعَامَّةِ، فَجَاءَت بَعْدَهُم الْمُعْتَزِلَةُ، الَّذِينَ اعْتَزَلُوا الْجَمَاعَةَ بَعْدَ مَوْتِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، وَهُم: عَمْرُو بْن عُبَيْدٍ، وَوَاصِلُ بْنُ عَطَاءٍ الْغَزالُ، وَأَتْبَاعُهُمَا فَقَالُوا: أَهْل الْكَبَائِرِ مُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ كَمَا قَالَت الْخَوَارِجُ، وَلَا نُسَمِّيهِمْ لَا مُؤْمِنِينَ وَلَا كُفَّارًا؛ بَل فُسَّاقٌ، نُنْزِلُهُم مَنْزِلَةً بَيْنَ مَنْزِلَتَيْنِ، وَأَنْكَرُوا شَفَاعَةَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لِأَهْلِ الْكَبَائِرِ مِن أُمَّتِهِ، وَأَنْ يَخْرُجَ مِن النَّارِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَهَا. [٧/ ٤٧٩ - ٤٨٤]

٥٦٣ - احْتَجَّت الْخَوَارجُ وَالْمُعْتَزِلَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة: ٢٧]، قَالُوا: فَصَاحِبُ الْكَبِيرَةِ لَيْسَ مِن الْمُتَّقِينَ، فَلَا يَتَقَبَّلُ اللهُ مِنْهُ عَمَلًا.

وَقَد أَجَابَتْهُم الْمُرْجِئَةُ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَّقِينَ مَن يَتَّقِي الْكُفْرَ.


(١) رواه البخاري (٣٠١٧).
(٢) رواه أبو داود (٤٥٠٢)، والترمذي (٢١٥٨)، وقال: حديث حسن، من حديث عثمان -رضي الله عنه-، وأصله في الصحيحين من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه-.

<<  <  ج: ص:  >  >>