للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مُبْتَدِعِينَ، وَظَلَمَةً فَاسِقِينَ (١).

وَهَؤُلَاءِ الْمَعْرُوفُونَ مِثْلُ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمَا مِن فُقَهَاءِ الْكُوفَةِ: كَانُوا يَجْعَلُونَ قَوْلَ اللِّسَانِ وَاعْتِقَادَ الْقَلْبِ مِن الْإِيمَانِ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي مُحَمَّدِ بْنِ كُلَّابٍ وَأَمْثَالِهِ، لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُم فِي ذَلِكَ، وَلَا نُقِلَ عَنْهُم أَنَّهُم قَالُوا: الْإِيمَانَ مُجَرَّدُ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ، لَكِنَّ هَذَا الْقَوْلَ حَكَوْهُ عَن الْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ.

وَحَدَثَ بَعْدَ هَؤُلَاءِ قَوْلُ الكَرَّامِيَة: إنَّ الْإِيمَانَ قَوْلُ اللِّسَانِ دُونَ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ، مَعَ قَوْلِهِمْ: إنَّ مِثْل هَذَا يُعَذَّبُ فِي الْآخِرَةِ وَيُخَلَّدُ فِي النَّارِ.

وَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللّهِ الصالحي: إنَّ الْإِيمَانَ مُجَرَّدُ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ وَمَعْرِفَتِهِ، لَكِنْ لَهُ لَوَازِمُ، فَإِذَا ذَهَبَتْ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى عَدَمِ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ.

وَإِنَّ كُلَّ قَوْلٍ أَو عَمَلٍ ظَاهِرٍ دَلَّ الشَّرْعُ عَلَى أَنَّهُ كُفْرٌ: كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ دَلِيلٌ عَلَى عَدَمِ تَصْدِيقِ الْقَلْبِ وَمَعْرِفَتِهِ، وَلَيْسَ الْكُفْرُ إلَّا تِلْكَ الْخَصْلَةُ الْوَاحِدَةُ، وَلَيْسَ الْإِيمَانُ إلَّا مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ الَّذِي فِي الْقَلْبِ وَالْمَعْرِفَةِ.

وَهَذَا أَشْهَرُ قَوْلَيْ أَبِي الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيِّ، وَعَلَيْهِ أَصْحَابُهُ كَالْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ وَأَبِي الْمَعَالِي وَأَمْثَالِهِمَا، وَلهَذَا عَدَّهُم أَهْلُ الْمَقَالَاتِ مِن الْمُرْجِئَةِ.

وَالْقَوْلُ الْآخَرُ عَنْهُ: كَقَوْلِ السَّلَفِ وَأَهْلِ الْحَدِيثِ: إنَّ الْإِيمَانَ قَوْلٌ وَعَمَلٌ. [٧/ ٥٠٧ - ٥٠٩]

***


(١) انظر إلى: هذه الأخلاق العظيمة، والمنهج النبوي العظيم، الذي به تُجتَنَبُ الفتن، ويُجمع الشمل، وتتوحد الكلمة، وتُحفظ الدماء والأعراض.
ولْنقارن بين هذا المنهج العظيم وبين منهج الخوارج ومن نحا نحوهم، الذين تسَمَّوا في هذا الزمان بِمُسميات عدة، وكيف فرقوا الأمة بما يُطلقونه من التكفير والسباب واللعن للمسلمين أو علمائهم أو حكامهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>