مَهْمَا آتِيكُمْ مِن كتَابٍ وَحِكْمَةٍ فَعَلَيْكُمْ إذَا جَاءَكُمْ ذَلِكَ النَّبِيُّ الْمُصَدِّقُ الْإِيمَانُ بِهِ وَنَصْرُهُ.
فَمَن آمَنَ بِهِ مِن الْأَوَّلينَ والآخرين أُثِيبَ عَلَى ذَلِكَ، وَإِن كَانَ ثَوَابُ مَن آمَنَ بِهِ وَأَطَاعَهُ فِي الشَّرَائِعِ الْمُفَصَّلَةِ أَعْظَمَ مِن ثَوَابِ مَن لَمْ يَأْتِ إلَّا بِالْإِيمَانِ الْمُجْمَلِ.
عَلَى أَنَّهُ إمَامٌ مُطْلَقٌ لِجَمِيعِ الذُّرِّيَّةِ، وَأَنَّ لَهُ نَصِيبًا مِن إيمَانِ كُلِّ مُؤْمِنٍ مِن الْأَوَّلينَ والآخرين، كَمَا أَنَّ كُلَّ ضَلَالٍ وغواية فِي الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لإبليس مِنْهُ نَصِيبٌ.
وَمِمَّا يَدْخُلُ فِي هَذَا الْبَابِ مِن بَعْضِ الْوُجُوهِ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي فِي السُّنَنِ: "وُزِنْت بِالْأُمَّةِ فَرَجَحْت، ثُمَّ وُزِنَ أَبُو بَكْرٍ بِالْأُمَّةِ فَرَجَحَ، ثُمَّ وُزِنَ عُمَرُ بِالْأُمَّةِ فَرَجَحَ ثُمَّ رُفِعَ الْمِيزَانُ" (١).
فَأَمَّا كَوْنُ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- رَاجِحًا بِالْأُمَّةِ فَظَاهِرٌ؛ لِأنَّ لَهُ مِثْل أَجْرِ جَمِيعِ الْأُمَّةِ مُضَافًا إلَى أَجْرِهِ.
وَأَمَّا أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرَ فَلِأَنَّ لَهُمَا مُعَاوَنَةً مَعَ الْإِرَادَةِ الْجَازِمَةِ فِي إيمَانِ الْأُمَّةِ كُلِّهَا، وَأَبُو بَكرٍ كَانَ فِي ذَلِكَ سَابِقًا لِعُمَرِ وَأَقْوَى إرَادَةً مِنْهُ، فَإِنَّهُمَا هُمَا اللَّذَانِ كَانَا يُعَاوِنَانِ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى إيمَانِ الْأُمَّةِ فِي دَقِيقِ الْأُمُورِ وَجَلِيلِهَا فِي مَحْيَاهُ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ.
وَلهَذَا سَأَلَ أَبُو سُفْيَانَ يَوْمَ أُحُدٍ: أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "لَا تُجِيبُوهُ". فَقَالَ: أَمَّا هَؤُلَاءِ فَقَد كَفَيْتُمُوهُمْ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.
فَأَبُو سُفْيَانَ -رَأسُ الْكُفْرِ حِينَئِذٍ- لَمْ يَسْأَلْ إلَّا عَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُم قَادَةُ الْمُؤْمِنِينَ.
(١) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح (٢٢٨٧)، وأبو داود في سننه (٤٦٣٤).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute