للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يُوسُفُ، وَلهَذَا قَالَ أَحْمَد: الْهَمُّ هَمَّانِ: هَمُّ خَطَرَاتٍ، وَهَمُّ إصْرَارٍ.

وَلهَذَا كَانَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ أَنَّ يُوسُفَ لَمْ يَكُن لَهُ فِي هَذِهِ الْقَضِيَّةِ ذَنَبٌ أَصْلًا؛ بَل صَرَفَ اللهُ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاء.

وَأَمَّا الْإِرَادَةُ الْجَازِمَةُ: فَلَا بُدَّ أَنْ يَقْتَرِنَ بِهَا مَعَ الْقُدْرَةِ فِعْلُ الْمَقْدُورِ، وَلَو بِنَظْرَة، أَو حَرَكَةِ رَأْسٍ، أَو لَفْظَةٍ، أَو خُطْوَةٍ، أَو تَحْرِيكِ بَدَنٍ.

وَبِهَذَا يَظْهَرُ مَعْنَى قَوْلِهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ" (١)؛ فَإِنَّ الْمَقْتُولَ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ، فَعَمِلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِن الْقِتَالِ، وَعَجَزَ عَن حُصُولِ الْمُرَادِ.

وَكَذَلِكَ الَّذِي قَالَ: "لَو أَنَّ لِي مِثْل مَا لِفُلَان لَعَمِلْت فِيهِ مِثْل مَا يَعْمَلُ فُلَانٌ" (٢)؛ فَإِنَّه أَرَادَ فِعْلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْكَلَامُ، وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى [غير] (٣) ذَلِكَ.

وَلهَذَا كَانَ مَن دَعَا إلَى ضَلَالَةٍ: كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ أَوْزَارِ مَن اتَّبَعَهُ مِن غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِن أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ؛ لِأَنَّهُ أَرَادَ ضَلَالَهُم فَفَعَلَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ مِن دُعَائِهِمْ؛ إذ لَا يَقْدِرُ إلا عَلَى ذَلِكَ.

وَإِذَا تَبَيَّنَ هَذَا فِي الْإِرَادَةِ وَالْعَمَلِ: فَالتَّصْدِيقُ الَّذِي فِي الْقَلْبِ وَعِلْمُهُ يَقْتَضِي عَمَلَ الْقَلْبِ.


(١) رواه البخاري (٣١)، ومسلم (١٦٨٠).
(٢) روى الإمام أحمد (١٨٠٣١) والترمذيُّ وصححه (٢٣٢٥) أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّمَا الدُّنْيَا لأَرْبَعَةِ نَفَرٍ، عَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالًا وَعِلْمًا فَهُوَ يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَيَعْلَمُ فِيهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا فَهُوَ صَادِقُ النِّيَّةِ يَقُولُ: لَو أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا، فَهُوَ يَخْبِطُ فِي مَالِهِ بِغَيْرِ عِلْم لَا يَتَّقِي فِيهِ رَبَّهُ، وَلَا يَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ، وَلَا يَعْلَمُ للهِ فِيهِ حَقًّا، فَهَذَا بِأَخْبَثِ الْمَنَازِلِ، وَعَبْدٍ لَم يَرْزُقْهُ اللهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ: لَو أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ فَهُوَ بِنِيَّتِهِ فَوِزْرُهُمَا سَوَاءٌ".
(٣) ما بين المعقوفتين ليس في الأصل، ولا يستقيم المعنى إلا به.

<<  <  ج: ص:  >  >>