للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَنَقْصِهَا؛ فَإِنَّهُ مِن الْمَعْلُومِ بِالذَّوْقِ الَّذِي يَجِدُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ أَنَّ النَّاسَ يَتَفَاضَلُونَ فِي حُبِّ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَخَشْيَةِ اللهِ، وَالْإِنَابَةِ إلَيْهِ، وَالتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، وَالْإِخْلَاصِ لَهُ، وَفِي سَلَامَةِ الْقُلُوبِ مِن الرِّيَاءِ وَالْكِبْرِ وَالْعُجْبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَالرَّحْمَةِ لِلْخَلْقِ، وَالنُّصْحِ لَهُمْ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِن الْأَخْلَاقِ الْإِيمَانِيَّةِ.

وَقَد قَالَ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة: ١٦٥].

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ نَفْسَ التَّصْدِيقِ وَالْعِلْمِ فِي الْقَلْبِ يَتَفَاضَلُ بِاعْتِبَارِ الْإِجْمَالِ وَالتَّفْصِيلِ.

فَلَيْسَ تَصْدِيقُ مَن صَدَّقَ الرَّسُولَ مُجْمَلًا مِن غَيْرِ مَعْرِفَةٍ مِنْهُ بِتَفَاصِيلِ أَخْبَارِهِ: كَمَن عَرَفَ مَا أَخْبَرَ بِهِ عَن اللهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالْأُمَمِ وَصَدَّقَهُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.

وَلَيْسَ مَن الْتَزَمَ طَاعَتَهُ مُجْمَلًا وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفَ تَفْصِيلَ مَا أَمَرَهُ بِهِ (١): كَمَن عَاشَ حَتَّى عَرَفَ ذَلِكَ مُفَصَّلًا وَأَطَاعَهُ فِيهِ.

الْوَجْهُ الرَّابعُ: أَنَّ نَفْسَ الْعِلْمِ وَالتَّصْدِيقِ يَتَفَاضَلُ وَيَتَفَاوَتُ كَمَا يَتَفَاضَلُ سَائِرُ صِفَاتِ الْحَيِّ؛ مِن الْقُدْرَةِ، وَالْإِرَادَةِ، وَالسَّمْعِ، وَالْبَصَرِ، وَالْكَلَامِ.

الْوَجْهُ الْخَامِسُ: أَنَّ التَّفَاضلَ يَحْصُلُ مِن هَذِهِ الْأُمُورِ مِن جِهَةِ الْأَسْبَابِ الْمُقْتَضِيَةِ لَهَا، فَمَن كَانَ مُسْتَنَدُ تَصْدِيقُهُ وَمَحَبَّته أَدِلَّةً تُوجِبُ الْيَقِينَ، وَتُبَيِّنُ فَسَادَ الشُّبْهَةِ الْعَارِضَةِ: لَمْ يَكُن بِمَنْزِلَةِ مَن كَانَ تَصْدِيقُهُ لِأَسْبَابٍ دُونِ ذَلِكَ.

الْوَجْهُ السَّادِسُ: أَنَّ التَّفَاضُلَ يَحْصُلُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ مِن جِهَةِ دَوَامِ ذَلِكَ وَثَبَاتِهِ وَذِكْرِهِ وَاسْتِحْضَارِهِ، كَمَا يَحْصُلُ الْبُغْضُ مِن جِهَةِ الْغَفْلَةِ عَنْهُ. [٧/ ٥٦٢ - ٥٦٦]

* * *


(١) ولو مات شهيدًا، فإن الذي عاش بعده وازداد إيمانًا وعلمًا وصلاحًا: أفضل وأعلا منزلة؛ فالأول شهيد والثاني صِدِّيق إن شاء الله تعالى.

<<  <  ج: ص:  >  >>