وَلهَذَا كَانَ خِطَابٌ يُوسُفَ لِلْمَلِكِ وَللْعَزِيزِ وَلَهُمْ: يَتَضَمَّنُ الْإِقْرَارُ بِوُجُودِ الصَّانِعِ؛ كَقَوْلِهِ: {أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [يوسف: ٣٩] .. وَقَد قَالَ مُؤْمِنُ آلِ -حم- {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حَتَّى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ رَسُولًا} [غافر: ٣٤]، فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ بُعِثَ إلَيْهِم يُوسُفُ كَانُوا يُقِرُّونَ بِاللهِ.
وَلهَذَا كَانَ إخْوَةُ يُوسُفَ يُخَاطِبُونَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْرِفُوا أَنَّهُ يُوسُفُ وَيَظُنُّونَهُ مِن آلَ فِرْعَوْنَ بِخِطَابٍ يَقْتَضِي الْإِقْرَارَ بِالصَّانِعِ كَقَوْلِهِمْ: {تَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ مَا جِئْنَا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كُنَّا سَارِقِينَ} [يوسف: ٧٣]، وَقَالَ لَهُم: {أَنْتُمْ شَرٌّ مَكَانًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَصِفُونَ} [يوسف: ٧٧].
فَإِنَّ جُحُودَ الصَّانِعِ لَمْ يَكُن دِينًا غَالِبًا عَلَى أُمَّةٍ مِن الْأُمَمِ قَطُّ، وَإِنَّمَا كَانَ دِينُ الْكُفَّارِ الْخَارِجِينَ عَن الرِّسَالَةِ هُوَ الْإِشْرَاك، وَإِنَّمَا كَانَ يَجْحَدُ الصَّانِعَ بَعْضُ النَّاسِ.
وَلَكِنَّ فِرْعَوْنَ مُوسَى: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ} [الزخرف: ٥٤] وَهُوَ الَّذِي قَالَ لَهُم -دُونَ الْفَرَاعِنَةِ الْمُتَقَدِّمِينَ-؛ {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: ٣٨]، ثُمَّ قَالَ لَهُم بَعْدَ ذَلِكَ: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى (٢٤) فَأَخَذَهُ اللَّهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولَى (٢٥)} [النازعات: ٢٤، ٢٥] نَكَالَ الْكَلِمَةِ الْأُولَى، وَنَكَالَ الْكلِمَةِ الْأَخِيرَةِ.
وَكَانَ فِرْعَوْنُ فِي الْبَاطِنِ عَارِفًا بِوُجُودِ الصَّانِعِ، وَإِنَّمَا اسْتَكْبَرَ كإبليس وَأَنْكَرَ وُجُودَهُ؛ وَلهَذَا قَالَ لَهُ مُوسَى: {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بَصَائِرَ} [الإسراء: ١٠٢]، فَلَمَّا أَنْكَرَ الصَّانِعَ وَكَانَت لَهُ آلِهَةٌ يَعْبُدُهَا: بَقِيَ عَلَى عِبَادَتِهَا وَلَمْ يَصِفْهُ اللهُ تَعَالَى بِالشِّرْكِ، وَاِنَّمَا وَصَفَهُ بِجُحُودِ الصَّانِعِ وَعِبَادَةِ آلِهَةٍ أُخْرَى.
فَقَوْمُ فِرْعَوْنَ قَد يَكُونُونَ أَعْرَضُوا عَن اللهِ بِالْكُلِّيَّةِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا مُشْرِكِينَ بِهِ، وَاسْتَجَابُوا لِفِرْعَوْنَ فِي قَوْلِهِ: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} و {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute