للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ابتداء من غير سبق عذاب في النار، بحيث لا يُفهم من ذلك أنهم يعذبون، فهذا الدخول لا يناله من في قلبه مثقال ذرة من كبر.

وأيضا فهذه الأحاديث مُبَيَّنٌ فيها سبب دخول الجنة من العمل الصالح، وسبب دخول النار كالكبر.

فإن وُجد في العبد أحدُ السببين فقط فهو من أهله، وإن وجدا فيه معًا استحق الجنة والنار.

فالذي معه كبر وإيمان: يستحق النار، فيعذب فيها حتى يزول الكبر من قلب.

فقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يدخل الجنة إلا نفس مؤمنة" (١) حقٌّ، إذا أُريد به الدخول المطلق الكامل: أُريد بـ"المؤمن" الكامل المطلق.

وإذا أريد بالدخول مطلق الدخول: فقد يتناول الدخول بعد العذاب، فإنه يراد به مطلق المؤمن (٢)، حتى يتناول الفاسق الذي في قلبه مثقال ذرة من إيمان؛ فإن هذا يدخل في مطلق المؤمن كقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] ولا يدخل في المؤمن المطلق؛ كقوله: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا} الآية [الأنفال: ٢].

ومثل هذا كثير في الكتاب والسُّنَّة: ينتفي الاسم عن المسمى؛ تارة لنفي حقيقته وكماله، ويثبت له تارة لوجود أصله وبعضه؛ حتى يقال للعالم القاصر،


(١) رواه الترمذي (٣٠٩٢)، والنسائي (٢٩٥٨)، والدارمي (١٤٧٠)، وأحمد (٥٩٤)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
(٢) مطلق الشيء: هو الحد الأدنى من الشيء، الذي يتحقق به وجوده، فلا يتصور وجوده من دونه، وأما الشيء المطلق: فهو وجوده الكامل؛ أي: الحد الأعلى من وجوده.
فمعنى مطلق الإيمان؛ أي: أصل الإيمان الذي ينجو صاحبه من الخلود في النار، ومعنى الإيمان المطلق: الإيمان الكامل، وهو أصل الإيمان، مُضافًا إليه الأعمال الواجبة والمستحبة، واجتناب المحرمات والمكروهات.

<<  <  ج: ص:  >  >>