للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

٨٧ - مَن لَمْ يَكُن لَهُ عِلْمٌ بِمَا يُصْلِحُ بَاطِنَهُ ويُفْسِدُهُ وَلَمْ يَقْصِدْ صَلَاحَ قَلْبِهِ بِالْإِيمَانِ وَدَفْعِ النِّفَاقِ: كَانَ مُنَافِقًا إنْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ؛ فَإِنَّ الْإِسْلَامَ يُظْهِرُهُ الْمُؤمِنُ وَالْمُنَافِقُ وَهُوَ عَلَانِيَةٌ، وَالْإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ.

وَكَلَامُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَحَادِيثُ وَالْآثَارُ فِي هَذَا أَكْثَرُ مِنْهَا فِي الْإِجَارَةِ وَالشُّفْعَةِ وَالحَيْضِ وَالطَّهَارَةِ بِكَثِيرِ كَثِيرٍ؛ وَلَكِنَّ هَذَا الْعِلْمَ (١) ظَاهِرٌ مَوْجُودٌ مَقُولٌ بِاللِّسَانِ، مَكْتُوبٌ فِي الْكُتُبِ؛ وَلَكِنْ مَن كَانَ بِأُمُورِ الْقَلْبِ أَعْلَمَ كَانَ أَعْلَمَ بِهِ، وَأَعْلَمَ بِمَعَانِي الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ.

لَكِنَّ النَّاسَ فِي حَقَائِقِ الْإِيمَانِ مُتَفَاضِلُونَ تَفَاضُلًا عَظِيمًا؛ فَأَهْلُ الطَّبَقَةِ الْعُلْيَا يَعْلَمُونَ حَالَ أَهْلِ السُّفْلَى مِن غَيْرِ عَكْسٍ، كَمَا أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ يَنْزِلُ الْأَعْلَى إلَى الْأَسْفَلِ، وَلَا يَصْعَدُ الْأَسْفَلُ إلَى الْأَعْلَى.

وَالْعَالِمُ يَعْرِفُ الْجَاهِلَ؛ لِأَنَّهُ كَانَ جَاهِلًا، وَالْجَاهِلُ لَا يَعْرِفُ الْعَالِمَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكن عَالِمًا (٢). [١٣/ ٢٣٤ - ٢٣٥]


= سيأتي قول شيخ الإسلام رَحِمَه الله: وَأَحْمَد إنَّمَا مَنَعَ الِاسْتِثْنَاءَ فِيهِ عَلَى قَوْلِ الزُّهْرِيِّ: هُوَ الْكَلِمَةُ، هَكَذَا نَقَلَ الْأَثْرَمُ وَالْمَيْمُونِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ.
وَأَمَّا عَلَى جَوَابِهِ الْآخَرِ الَّذِي لَمْ يَخْتَرْ فِيهِ قَوْلَ مَن قَالَ: الْإِسْلَامُ الْكَلِمَةُ فَيُسْتَثْنَى فِي الْإِسْلَامِ كَمَا يُسْتَثْنَى فِي الْإِيمَانِ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجْزِمُ بِأَنَّهُ قَد فَعَلَ كُلَّ مَا أمِرَ بِهِ مِن الْإِسْلَامِ.
وَإذَا قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُسْلِمُ مَن سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِن لِسَانِهِ وَيدِهِ" و"بُنيَ الْإسلام عَلَى خَمْسٍ": فَجَزْمُهُ بأَنَّهُ فعَل الْخَمْسَ بِلَا نَقْصٍ كَمَا أُمِرَ كَجَزْمِهِ بِإِيمَانِهِ، فَقَد قَالَ تعالى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة: ٢٥٨]؛ أَيْ: الْإِسْلَامِ كَافَّةً، أَيْ فِي جَمِيعِ شرَائِعِ الْإِسْلَام.
وَتَعْلِيلُ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِن السَّلَفِ مَا ذَكَرُوهُ فِي اسْمِ الْإِيمَانِ يَجِيءُ فِى اسْم الْإِسْلَامِ؛ فَإِذَا أُرِيدَ بِالْإِسْلَامِ الْكَلِمَةُ فَلَا اسْتِثْنَاءَ فِيهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَد وَغَيْرُهُ، وَإِذَا أَرِيدَ بِهِ مَن فعَلَ الْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةَ كُلّهَا فَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِيمَانِ.
(١) أي: المعاملات والعبادات الظاهرة.
(٢) صدق رَحِمَه اللهُ، فهذا يدل على كمال العلم وأهلِه، وأنهم أعلم بمصالح العامه والخاصة من أنفسهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>