فَفِي كُلِّ مَا خَلَقَهُ: إحْسَانٌ إلَى عِبَادِهِ يُشْكَرُ عَلَيْهِ، وَلَهُ فِيهِ حِكْمَةٌ تَعُودُ إلَيْهِ، يَسْتَحِقُّ أَنْ يُحْمَدَ عَلَيْهَا لِذَاتِهِ، فَجَمِيعُ الْمَخْلُوقَاتِ فِيهَا إنْعَامٌ إلَى عِبَادِهِ؛ كَالثَّقَلَيْنِ الْمُخَاطَبِينَ بِقَوْلِهِ: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٣)} مِن جِهَةِ أَنَّهَا آيَاتٌ يَحْصُلُ بِهَا هِدَايَتُهُمْ، وَتَدُلُّ عَلَى وَحْدَانِيِّتِهِ، وَصِدْقِ أَنْبِيَائِهِ، وَلهَذَا قَالَ عَقِيبَهُ: {هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (٥٦)} [النجم: ٥٦].
قِيلَ: مُحَمَّد، وَقِيلَ: الْقُرْآنُ، وَهُمَا مُتَلَازِمَانِ.
يَقُولُ: هَذَا نَذِيرٌ أَنْذَرَ بِمَا أَنْذَرَتْ بِهِ الرُّسُلُ، وَالْكُتُبُ الْأُولَى.
وَقَوْلُهُ: مِن النُّذرِ الْأُولَى؛ أَيْ: مِن جِنْسِهَا، فَأَفْضَلُ النِّعَمِ نِعْمَةُ الْإِيمَانِ، وَكُلُّ مَخْلُوقٍ فَهُوَ مِن الْآيَاتِ الَّتِي يَحْصُلُ بِهَا مَا يَحْصُلُ مِن هَذِهِ النِّعْمَةِ، قَالَ تَعَالَى: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ} [يوسف: ١١١]، وَقَالَ: {تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ (٨)} [ق: ٨].
وَمَا يُصِيبُ الْإِنْسَانَ:
- إنْ كَانَ يَسُرُّهُ فَهُوَ نِعْمَةٌ بَيِّنَةٌ.
- وَإِن كَانَ يَسُوءُهُ فَهُوَ نِعْمَةٌ؛ لِأَنَّهُ يُكَفِّرُ خَطَايَاهُ وَيُثَابُ عَلَيْهِ بِالصَّبْرِ، وَمِن جِهَةِ أَنَّ فِيهِ حِكْمَةً وَرَحْمَةً لَا يَعْلَمُهَا الْعَبْدُ.
وَأَمَّا ذُنُوبُ الْإِنْسَانِ فَهِيَ مِن نَفْسِهِ، وَمَعَ هَذَا فَهِيَ مَعَ حُسْنِ الْعَاقِبَةِ نِعْمَةٌ، وَهِيَ نِعْمَةٌ عَلَى غَيْرِهِ لِمَا يَحْصُلُ لَهُ بِهَا مِن الِاعْتِبَارِ، وَمِن هَذَا قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي عِبْرَةً لِغَيْرِي، وَلَا تَجْعَلْ غَيْرِي أَسْعَدَ بِمَا عَلَّمْتَنِي مِنِّي.
وَفِي دُعَاءِ الْقُرْآنِ: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [يونس: ٨٥].
وَكَمَا فِيهِ: {وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: ٧٤]، وَاجْعَلْنَا أَئِمَّةً لِمَن يَقْتَدِي بِنَا، وَلَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِمَن يَضِلُّ بِنَا. [٨/ ٢٠٧ - ٢١٠]
* * *
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute