كَعَادٍ ونمروذٍ وَقَوْمٍ لِصَالِحٍ … وَقَوْمٍ لِنُوحٍ ثُمَّ أَصْحَابِ أَيْكَةِ
وَخَاصِمْ لِمُوسَى ثُمَّ سَائِرِ مَن أَتَى … مِن الْأَنْبِيَاءِ مُحْيِيًا لِلشَّرِيعَةِ
عَلَى كَوْنِهِمْ قَد جَاهَدُوا النَّاسَ إذ بَغَوْا … وَنَالُوا مِن الْعَاصِي (١) بَلِيغَ الْعُقُوبَةِ
وَإلَّا فَكُلُّ الْخَلْقِ فِي كُلِّ لَفْظَةٍ .... وَلَحْظَةِ عَيْنٍ أَو تَحَرُّكِ شَعْرَةِ
وَبَطْشَةِ كَفٍّ أَو تَخَطِّي قَدِيمَةٍ … وَكُلِّ حَرَاكٍ بَل وَكُلِّ سَكِينَةِ
همُ تَحْتَ أَقْدَارِ الْإِلَهِ وَحُكْمِهِ … كَمَا أَنْتَ فِيمَا قَد أَتَيْتَ بِحُجَّةِ.
وَيَكْفِيكَ نَقْضًا مَا بِجِسْمِ ابْنِ آدَمٍ … صَبِيٍّ وَمَجْنُونٍ وَكُلِّ بَهِيمَةِ
مِن الْأَلَمِ الْمَقْضِيِّ فِي غَيْرِ حِيلَةٍ … وَفِيمَا يَشَاءُ اللهُ أَكْمَلُ حِكمَةِ
إذَا كَانَ فِي هَذَا لَهُ حِكْمَةٌ فَمَا … يُظَنُّ بِخَلْقِ الْفِعْلِ ثُمَّ الْعُقُوبَةِ؟
وَكَيْفَ وَمنْ هَذَا عَذَابٌ مُوَلَّدٌ … عَن الْفِعْلِ فِعْلِ الْعَبْدِ عِنْدَ الطَّبِيعَةِ؟
كَآكِلِ سُمٍّ أَوْجَبَ الْمَوْتَ أَكْلُهُ … وَكُلٌّ بِتَقْدِيرٍ لِرَبِّ الْبَرِيَّةِ
فَكُفْرُكَ يَا هَذَا كَسُمٍّ أَكَلْتَهُ … وَتَعْذِيبُ نَارٍ مِثْلُ جَرْعَةِ غُصَّةِ
أَلَسْتَ تَرَى فِي هَذِهِ الدَّارِ مَن جَنَى … يُعَاقَبُ إمَّا بالقضا أَو بِشِرْعَةِ؟
وَلَا عُذْرَ لِلْجَانِي بِتَقْدِيرِ خَالِقٍ … كَذَلِكَ فِي الْأُخْرَى بِلَا مَثْنَوِيَّةِ.
وَقَوْلُ حَلِيفِ الشَّرِّ إنِّي مُقَدَّرٌ … عَلَيَّ كَقَوْلِ الذِّئْبِ هذي طَبِيعَتِي
وَتَقْدِيرُهُ لِلْفِعْلِ يَجْلِبُ نِقْمَةً … كَتَقْدِيرِهِ الْأَشْيَاءَ طَرًّا بِعِلَّةِ
فَهَل يَنْفَعَن عُذْرُ الْمَلُومِ بأَنَّهُ … كَذَا طَبْعُهُ أَمْ هَل يُقَالُ لِعَثْرَةِ؟
أَم الذَّمُّ وَالتَّعْذِيبُ أَوْكَدُ لِلًّذِي … طَبِيعَتُهُ فِعْلُ الشُّرُورِ الشَّنِيعَةِ؟
فَإِنْ كُنْتَ تَرْجُو أَنْ تُجَابَ بِمَا عَسَى … يُنَجِّيكَ مِن نَارِ الْإِلَهِ الْعَظِيمَةِ
فَدُونَكَ رَبُّ الْخَلْقِ فَاقْصِدْهُ ضَارِعًا … مُرِيدًا لِأَنْ يَهْدِيَكَ نَحْو الْحَقِيقَةِ
وَذَلِّلْ قِيَادَ النَّفْسِ لِلْحَقِّ وَاسْمَعَن … وَلَا تُعْرِضَنْ عَن فِكرَةٍ مُسْتَقِيمَةِ
وَمَا بَانَ مِن حَقٍّ فَلَا تَتْزكَنَّه … وَلَا تَعْصِ مَن يَدْعُو لِأَقْوَمِ شِرْعَةِ
وَدَعْ دِينَ ذَا الْعَادَاتِ لَا تَتْبَعَنَّهُ … وَعُجْ عَن سَبِيلِ الْأُمَّةِ الْغَضَبِيَّةِ
(١) في الأصل: الْمَعَاصِي، ولعل الصواب: المثبت، ليستقيم الوزن والمعنى.