للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وَقَوْلُ هَؤُلَاءِ يَظْهَرُ بُطْلَانُهُ مِن وُجُوهٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ الْوَاحِدَ مِن هَؤُلَاءِ:

-إمَّا انْ يَرَى الْقَدَر حُجَّةً لِلْعَبْدِ.

- وَإِمَّا أنْ لَا يَرَاهُ حُجَّةً لِلْعَبْدِ.

فَإِنْ كَانَ الْقَدَرُ حُجَّةَ لِلْعَبْدِ: فَهُوَ حُجَّةٌ لِجَمِيعِ النَّاسِ؛ فَإِنَّهُم كُلَّهُم مُشْتَرِكونَ فِي الْقَدَرِ، وَحِينَئِذٍ فَيَلْزَمُ أنْ لَا يُنْكِرَ عَلَى مَن يَظْلِمُهُ وَيَشْتُمُهُ، وَيَأْخُذُ مَالَهُ، وَيُفْسِدُ حَرِيمَهُ، وَيَضْرِبُ عُنُقَهُ، وَيُهْلِكُ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ، وَهَؤُلَاءِ جَمِيعُهُم كَذَّابُونَ مُتَنَاقِضونَ؛ فَإِنَّ أَحَدَهُم لَا يَزَالُ يَذُمُّ هَذَا، وَيُبْغِضُ هَذَا، وَيُخَالِفُ هَذَا، حَتَّى إنَ الَّذِي يُنْكِرُ عَلَيْهِم يُبْغِضُونَهُ وَيُعَادُونَهُ وَيُنْكِرُونَ عَلَيْهِ.

فَإِنْ كَانَ الْقَدَرُ حجَّةً لِمَن فَعَلَ الْمُحَرَّمَاتِ وَتَرَكَ الْوَاجِبَاتِ: لَزِمَهُم أَنْ لَا يَذُمُّوا احَدًا، وَلَا يُبْغِضُوا أَحَدًا، وَلَا يَقُولُوا فِي أَحَدٍ: إنَّهُ ظَالِمٌ وَلَو فَعَلَ مَا فَعَلَ.

وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا لَا يُمْكِنُ أَحَدَا فِعْلُهُ، وَلَو فَعَلَ النَّاسُ هَذَا لَهَلَكَ الْعَالَمُ، فَتبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَهُم فَاسِدٌ فِي الْعَقْلِ، كَمَا أَنَّهُ كُفْرٌ فِي الشَّرْعِ، وَأنَّهُم كَذَّابُونَ مُفْتَرُونَ فِي قَوْلِهِمْ: إنَّ الْقَدَرَ حُجَّةٌ لِلْعَبْدِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: إنَّ هَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ إبْلِيسُ وَفِرْعَوْنُ وَقَوْمُ نُوحٍ وَعَادٍ وَكُلُّ مَن أَهْلَكَهُ اللهُ بِذُنُوبِهِ مَعْذُورًا، وَهَذَا مِن الْكُفْرِ الَّذِي اتَّفَقَ عَلَيْهِ أَرْبَابُ الْمِلَلِ.

الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يُفَرّقَ بَيْنَ أَوْليَاءِ اللهِ وَأَعْدَاءِ اللهِ، وَلَا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكفَّارِ وَلَا أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَهْلِ النَّارِ. وَقَد قَالَ تَعَالَى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (٢٨)} [ص: ٢٨].

وَذَلِكَ أَنَّ هَؤُلَاءِ جَمِيعَهُم سَبَقَتْ لَهُم عِنْدَ اللهِ السَّوَابِقُ، وَكَتَبَ اللهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>