٩٤ - الْإِذْنُ نَوْعَانِ:
أ- إذْنٌ بِمَعْنَى الْمَشِيئَةِ وَالْخَلْقِ.
ب- وَإِذْنٌ بِمَعْنَى الْإِبَاحَةِ وَالْإِجَازَةِ.
فَمِن الْأوَّلِ: قَوْلُهُ فِي السِّحْرِ: {وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ} [البقرة: ١٠٢]، فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَشِيئَةِ اللهِ وَقُدْرَتهِ، وَإِلَّا فَهُوَ لَمْ يُبح السِّحْرَ.
وَالنَّوْعُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا (٤٥) وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ} [الأحزاب: ٤٥، ٤٦]، وَقَوْلُهُ: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [الحشر: ٥]؛ فَإِنَّ هَذَا يَتَضَمَّنُ إبَاحَتَهُ لِذَلِكَ وإجَازَتَهُ لَهُ، وَرَفْعَ الْجُنَاحِ وَالْحَرَجِ عَن فَاعِلِهِ، مَعَ كَوْنِهِ بِمَشِيئَتِهِ وَقَضَائِهِ.
فَقَوْلُهُ: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [البقرة: ٢٥٥] هُوَ هَذَا الْإِذْنُ الْكَائِنُ بِقَدَرِهِ وَشَرْعِهِ، وَلَم ئرِدْ بِمُجَرَّدِ الْمَشِيئَةِ وَالْقَدَرِ، فَإِنَّ السِّحْرَ وَانْتِصَارَ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كَانَ بِذلِكَ الْإِذْن.
فَإِنْ قِيلَ: فَمِنَ الشُّفَعَاءِ مَن يَشْفَعُ بِدُونِ إذْنِ اللهِ الشَّرْعِيِّ، وَإِن كَانَ خَالِقًا لِفِعْلِهِ- كَشَفَاعَةِ نوحٍ لِابْنِهِ، وَشَفَاعَةِ إبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ، وَشَفَاعَةِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- لِعَبْدِ اللهِ بْنِ أبي بْنِ سلول حِينَ صَلَّى عَلَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَهَؤُلَاءِ قَد شَفَعُوا بِغَيْرِ إذْنٍ شَرْعِيِّ؟
قِيلَ: الْمَنْفِيُّ مِن الشَّفَاعَةِ بِلَا إذْنٍ: هِيَ الشَّفَاعَةُ التَّامَّةُ، وَهِيَ الْمَقْبُولَةُ.
فَالشَّفَاعَةُ: مَقْصُودُهَا قَبُولُ الْمَشْفُوعِ إلَيْهِ -وَهِيَ الشَّفَاعَةُ التَامَّةُ-. فَهَذِهِ هِيَ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا بِإِذْنِهِ.
وَأَمَّا إذَا شَفَعَ شَفِيعٌ فَلَمْ تُقْبَل شَفَاعَتُهُ: كَانَت كَعَدَمِهَا وَكَانَ عَلَى صَاحِبِهَا التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ مِنْهَا، كَمَا قَالَ نوحٌ: {رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [هود: ٤٧].