قُلْت: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِثْلُ مَسْأْلَةِ الْمَشِيئَةِ، وَهُوَ قَوْلُنَا: يَتَكَلَّمُ إذَا شَاءَ، فَإِنَّ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَشِيئَةُ تَعَلَّقَتْ بِهِ الْقُدْرَةُ، فَإِنَّ مَا شَاءَ اللهُ كَانَ، وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ إلَّا بِقُدْرَتِهِ، وَمَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْقُدْرَةُ مِن الْمَوْجُودَاتِ تَعَلَّقَتْ بِهِ الْمَشِيئَةُ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ شَيْءٌ إلَّا بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَمَا جَازَ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِهِ الْقُدْرَةُ جَازَ أَنْ تَتَعَلَّقَ بِهِ الْمَشِيئَةُ، وَكَذَلِكَ بِالْعَكْسِ، وَمَا لَا فَلَا.
وَلهَذَا قَالَ: {إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: ٢٠] وَالشَيْءُ فِي الْأَصْلِ مَصدَرُ شَاءَ يَشَاءُ شَيْئًا، كنال يَنَالُ نَيْلًا، ثُمَّ وَضَعُوا الْمَصْدَرَ مَوْضِعَ الْمَفْعُولِ، فَسَمَّوْا الْمَشِيءَ شَيْئًا، كَمَا يُسَمَّى الْمُنِيلَ نَيْلًا، فَقَالُوا: نَيْلُ الْمَعْدِنِ، وَكَمَا يُسَمَّى الْمَقْدُورَ قُدْرَةً، وَالْمَخْلُوقَ خَلْقًا.
فَقَوْلُهُ: {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: ١٠٦]؛ أَيْ: عَلَى كُلِّ مَا يَشَاءُ، فَمِنْهُ مَا قَد شِيءَ فَوُجِدَ، وَمِنْهُ مَا لَمْ يَشَأْ لَكِنَّهُ شِيءَ فِي الْعِلْمِ، بِمَعْنَى أَنَّهُ قَابِلٌ لِأَنْ يَشَاءَ.
وَقَوْلُة: {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ} [البقرة: ١٠٩] يَتَنَاوَلُ مَا كَانَ شَيْئًا فِي الْخَارِجِ وَالْعِلْمِ، أَو مَا كَانَ شَيْئًا فِي الْعِلْمِ فَقَطْ.
بِخِلَافِ مَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَتَنَاوَلَهُ الْمَشِيئَةُ، وَهُوَ الْحَقُّ تَعَالَى وَصِفَاتُهُ، أَو الْمُمْتَنِعُ لِنَفْسِهِ، فَإِنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ فِي الْعُمُومِ.
وَلهَذَا اتَّفَقَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ الْمُمْتَنِعَ لِنَفْسِهِ لَيْسَ بِشَيء.
وَتَنَازَعُوا فِي الْمَعْدُومِ الْمُمْكِنِ: فَذَهَبَ فَرِيقٌ مِن أَهْلِ الْكَلَامِ: إلَى أَنَّهُ شيءٌ فِي الْخَارجِ؛ لِتَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ وَالْقُدْرَةِ بِهِ.
وَهَذَا غَلَطٌ، وَإِنَّمَا هُوَ مَعْلُومٌ للهِ وَمُرَادٌ لَهُ إنْ كَانَ مِمَّا يُوجَدُ.
= إنَّ اللهَ لَا يَتَكَلَّمُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتهِ، وَعَلَى قَوْلِهِ: إنَّ الْقُرْآنَ لَازِمٌ لِذَاتِ اللهِ؛ بَل يَظُنُّونَ أَنَّ هَذَا قَوْلُ السَّلَفِ الَّذِينَ يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ غَيْرُ مَخْلُوقٍ. اهـ. (١٧/ ٥٥)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute