وَاللهُ فَرَضَ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَيَتَوَكَّلُوا عَلَيْهِ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} [هود: ١٢٣].
وَلهَذَا قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَا احْتَاجَ تَقِيٌّ قَطُّ.
يَقولُ: إنَّ اللهَ ضَمِنَ لِلْمُتَّقِينَ أَنْ يَجْعَلَ لَهُم مَخْرَجًا مِمَّا يَضِيقُ عَلَى النَّاسِ، وَأنْ يَرْزُقَهُم مِن حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُونَ، فَيَدْفَعُ عَنْهُم مَا يَضُرُّهُمْ، وَيَجْلِبُ لَهُم مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ.
فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ: دَلَّ عَلَى أَنَّ فِي التَّقْوَى خَلَلًا، فَلْيَسْتَغْفِرْ اللهَ وَلْيَتُبْ إلَيْهِ.
وَالْمَقْصُودُ: أنَّ اللهَ لَمْ يَأْمُرْ بِالتَّوَكُّلِ فَقَطْ؛ بَل أَمَرَ مَعَ التَّوَكُّلِ بِعِبَادَتِهِ وَتَقْوَاهُ الَّتِي تَتَضَمَّنُ فِعْلَ مَا أَمَرَ، وَتَرْكَ مَا حَذَّرَ، فَمَن ظَنَّ أَنَّهُ يُرْضِي رَبَّهُ بِالتَّوَكُّلِ بِدُونِ فِعْلِ مَا أُمِرَ بِهِ كَانَ ضَالًّا، كَمَا أَنَّ مَن ظَنَّ أَنَّهُ يَقُومُ بِمَا يَرْضَا اللهُ عَلَيْهِ دُونَ التَّوَكُّلِ كَانَ ضَالًّا؛ بَل فِعْلُ الْعِبَادَةِ الَّتي أَمَرَ اللهُ بِهَا فَرْضٌ.
وَإِذَا أُطْلِقَ لَفْظُ الْعِبَادَةِ: دَخَلَ فِيهَا التَّوَكُّلُ، وَإِذَا قُرِنَ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ: كَانَ لِلتَّوَكُّلِ اسْمٌ يَخُصُّهُ.
وَأَمَّا مَن ظَنَّ أَنَّ التَّوَكُّلَ يُغْنِي عَن الْأَسْبَابِ الْمَأْمُورِ بِهَا: فَهُوَ ضَالٌّ، وَهَذَا كَمَن ظَنَّ أَنَّهُ يَتَوَكَّلُ عَلَى مَا قُدِّرَ عَلَيْهِ مِن السَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ بِدُونِ أَنْ يَفْعَلَ مَا أَمَرَهُ اللهُ.
فَعَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ مُعْتَمِدًا عَلَى اللهِ، لَا عَلَى سَبَبٍ مِن الْأَسْبَابِ، وَاللهُ يُيَسِّرُ لَهُ مِن الْأَسْبَابِ مَا يُصْلِحُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
فَإِنْ كَانَت الْأَسْبَابُ مَقْدُورَةً لَهُ وَهُوَ مَأْمُورٌ بِهَا: فَعَلَهَا مَعَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ، كَمَا يُؤَدِّي الْفَرَائِضَ، وَكَمَا يُجَاهِدُ الْعَدُوَّ وَيَحْمِلُ السِّلَاحَ وَيَلْبَسُ جُنَّةَ الْحَرْبِ، وَلَا يَكْتَفِي فِي دَفْعِ الْعَدُوِّ عَلَى مُجَرَّدِ تَوَكُّلِهِ بِدُونِ أَنْ يَفْعَلَ مَا أُمِرَ بِهِ مِن الْجِهَادِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute