للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

أَو يَصِيرُونَ مُنَافِقِينَ زَنَادِقَةً، لَا يُقِرُّونَ بِحَقٍّ وَلَا بِبَاطِل؛ بَل يَتْرُكُونَ الْحَقَّ كَمَا تَرَكُوا الْبَاطِلَ (١). [٩/ ٢٤]

٦٥١ - مَا يَحْصُلُ بِهِ لِبَعْضِ النَّاسِ مِن شَحْذِ ذِهْنٍ أَو رُجُوعٍ عَن بَاطِلٍ أَو تَعْبِيرٍ عَن حَقٍّ: فَإِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ كَانَ فِي أَسْوَأِ حَالٍ لَا لِمَا فِي صِنَاعَةِ الْمَنْطِقِ مِن الْكَمَالِ.

وَمِن الْمَعْلُومِ: أَنَّ الْمُشْرِكَ إذَا تَمَجَّسَ، وَالْمَجُوسِيَّ إذَا تَهَوَّدَ: حَسُنَتْ حَالُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى مَا كَانَ فِيهِ قَبْلَ ذَلِكَ، لَكِنْ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُجْعَلَ ذَلِكَ عُمْدَةً لِأَهْلِ الْحَقِّ الْمُبِينِ.

وَهَذَا لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ؛ بَل هَذَا شَأْنُ كُلِّ مَن نَظَرَ فِي الْأمُورِ الَّتِي فِيهَا دِقَّةٌ وَلَهَا نَوْعُ إحَاطَةٍ، كَمَا تَجِدُ ذَلِكَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ، فَإِنَّهُ مِن الْمَعْلُومِ أنَّ لِأَهْلِهِ مِن التَّحْقِيقِ وَالتَّدْقِيقِ وَالتَّقْسِيمِ وَالتَّحْدِيدِ مَا لَيْسَ لِأَهْلِ الْمَنْطِقِ، وَأَنَّ أَهْلَهُ يَتَكلَّمُونَ فِي صُورَةِ الْمَعَانِي الْمَعْقُولَةِ عَلَى أَكْمَلِ الْقَوَاعِدِ.

فَالْمَعَانِي فِطْرِيَّةٌ عَقْلِيَّةٌ لَا تَحْتَاجُ إلَى وَضْعٍ خَاصٍّ، بِخِلَافِ قَوَالِبِهَا الَّتِي هِيَ الْأَلْفَاظُ فَإِنَّهَا تَتَنَوَّعُ، فَمَتَى تَعَلَّمُوا أَكْمَلَ الصُّوَرِ وَالْقَوَالِبِ لِلْمَعَانِي مَعَ الْفِطْرَةِ الصَّحِيحَةِ: كَانَ ذَلِكَ أَكْمَلَ وَأنْفَعَ وَأَعْوَنَ عَلَى تَحْقِيقِ الْعُلُومِ مِن صِنَاعَةِ اصْطِلَاحِيَّةٍ فِي أُمُورٍ فِطْرِيَّةٍ عَقْلِيَّةٍ لَا يُحْتَاجُ فِيهَا إلَى اصْطِلَاحٍ خَاصٍّ. [٩/ ٢٥]


(١) كما هو حال الملحدين والمنافقين وغيرهم في هذا الزمان، الذين انبهروا بمنطق الغرب وعلومهم وقوانينهم، فتركوا دينهم واحتقروا أمتهم، ولم يكن سبب ذلك خلو الإسلام مما عند الغرب من الأمور الحسنة، بل لجهلهم وعدم اطلاعهم على المحاسن التي جاء بها الإسلام مما هي أعظم وأفضل مما عند الغرب.
ومَا حصل لِبَعْضِ النَّاسِ من علم وثقافة وقوانين الغرب مِن شَحْذِ ذِهْنٍ، أو رُجُوعٍ عَن بَاطِلٍ، أَو تَعْبِيرِ عَن حَقٍّ وصواب: فَإِنَّمَا هُوَ لِكَوْنِهِ كَانَ فِي أسْوَأِ حَالٍ، لَا لِمَا عند الغرب من الحق والتقدم الثقافي والتقنيّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>