للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ج - وَتَارَةً يَسْتَدِلُّ عَلَى ذَلِكَ بِخَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ؛ فَإِنَّ خَلْقَهُمَا أَعْظَمُ مِن إعَادَةِ الْإِنْسَانِ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [الأحقاف: ٣٣].

د - وَتَارَةً يَسْتَدِلُّ عَلَى إمْكَانِهِ بِخَلْقِ النَّبَاتِ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا} إلَى قَوْلِهِ: {كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى} [الأعراف: ٥٧].

فَقَد تَبَيَّنَ أَنَّ مَا عِنْدَ أَئِمَّةِ النُّظَّارِ أهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ مِن الدَّلَائِلِ الْعَقْلِيَّةِ عَلَى الْمَطَالِبِ الْإِلَهِيَّةِ: فَقَد جَاءَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ بِمَا فِيهَا مِن الْحَقِّ وَمَا هُوَ أَبْلَغُ وَأَكْمَلُ مِنْهَا عَلَى أَحْسَنِ وَجْهٍ، مَعَ تَنَزُّهِهِ عَن الْأَغَالِيطِ الْكَثِيرَةِ الْمَوْجُودَةِ عِنْدَ هَؤُلَاء؟ فَإنَّ خَطَأَهُم فِيهَا كَثِيرٌ جِدًّا، وَلَعَلَّ ضَلَالَهُم أَكْثَرُ مِن هُدَاهُمْ، وَجَهْلَهُم أَكْثَرُ مَن عِلْمِهِمْ.

وَلهَذَا قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ الرَّازِيَّ فِي آخِرِ عُمُرِهِ فِي كِتَابِهِ: "أَقْسَامِ اللذَّاتِ" (١): لَقَد تَأمَّلْت الطُّرُقَ الْكَلَامِيَّةَ وَالْمَنَاهِجَ الْفَلْسَفِيَّةَ، فَمَا رَأَيْتهَا تَشْفِي عَلِيلًا، وَلَا تَرْوِي غَلِيلًا، وَرَاُّيْت اُّقْرَبَ الطُّرُقِ طَرِيقَةَ الْقُرْآنِ، اقْرَأ فِي الْإِثْبَاتِ: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (٥)} [طه: ٥]، {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر: ١٠]، وَاقْرَأ فِي النَّفْيِ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: ١١]، {وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا (١١٠)} [طه: ١١٠]، وَمَن جَرَّبَ مِثْل تَجْرِبَتِي عَرَفَ مِثْل مَعْرِفَتِي. [٩/ ٢٢٤ - ٢٢٥]


(١) وهو مطبوع.
ومما قاله في كتابه: "إن لكل قوة وحاسة لذة، ولذة العقل العلم، وأشرف العلم: العلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله"، ثم قال: "وعلى كل واحدةٍ منها عقدة لم تنحل"؛ أي: أنَّ عنده إشكالًا.
وهذا يبيَّن أنه كان غارقًا في بحار الشبهات، متلوثًا بعلوم الفلاسفة وأهل الكلام، فذلك ندم أشد الندم على تضييع عمره في الانشغال في الطُّرُق الْكَلَامِيَّة وَالْمَنَاهِج الْفَلْسَفِيَّة.
وقال:
نهاية إقدام العقول عقال … وغاية سعي العالمين ضلال
وأرواحنا في وحشة من جسومنا … وحاصل دنيانا أذىً ووبال

<<  <  ج: ص:  >  >>