فَهَذِهِ عِبَارَاتُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَن هَذَا الْمَعْنَى الصَّحِيحِ، بِلَا تَلْبِيسٍ وَلَا نِزَاعٍ بَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُتَّبِعِينَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ.
ثُمَّ بَعْدَ هَذَا مَن كَانَ قَد تَبَيَّنَ لَهُ مَعْنًى مِن جِهَةِ الْعَقْلِ أَنَّهُ لَازِمٌ لِلْحَقِّ لَمْ يَدْفَعْهُ عَن عَقْلِهِ، فَلَازِمُ الْحَقِّ حَقٌّ.
لَكِنَّ ذَلِكَ الْمَعْنَى لَا بُدَّ أَنْ يَدُلَّ الشَّرْعُ عَلَيْهِ، فَيُبَيِّنُهُ بِالْأَلْفَاظِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَإِن قُدِّرَ أَنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ: لَمْ يَكُن مِمَّا يَجِبُ عَلَى النَّاسِ اعْتِقَادُهُ، وَحِينَئِذٍ فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْعُوَ النَّاسَ إلَيْهِ، وَإِن قَدَّرَ أَنَّهُ فِي نَفْسِهِ حَقٌّ. [١٧/ ٣١٩ - ٣٢٠]
١٠٤ - مَنِ اعْتَقَدَ أَنَّ الْمُتَحَيِّزَ هُوَ مَا بَايَنَ غَيْرَهُ فَانْحَازَ عَنْهُ، وَلَيْسَ مِن شَرْطِهِ أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبًا مِن الْأَجْزَاءِ الْمُنْفَرِدَةِ، وَلَا أَنَّهُ يَقْبَلُ التَّفْرِيقَ وَالتَّقْسِيمَ، فَإِذَا قَالَ: إنَّ الرَّبَّ مُتَحَيّزٌ بِهَذَا الْمَعْنَى؛ أَيْ: أَنَّهُ بَائِنٌ عَن مَخْلُوقَاتِهِ: فَقَد أَرَادَ مَعْنًى صَحِيحًا، لَكِنَّ إطْلَاقَ هَذِهِ الْعِبَارَةِ بِدْعَةٌ، وَفِيهَا تَلْبِيسٌ، فَإِنَّ هَذَا الَّذِي أَرَادَهُ لَيْسَ مَعْنَى الْمُتَحَيِّزِ فِي اللُّغَةِ، وَهُوَ اصْطِلَاحٌ لَهُ وَلطَائِفَتِهِ، وَفِي الْمَعْنَى الْمُصْطَلَحِ نِزَاعٌ بَيْنَ الْعُقَلَاءِ، فَصَارَ يَحْتَمِلُ مَعْنًى فَاسِدًا يَجِبُ تَنْزِيهُ الرَّبِّ عَنْهُ.
ولَيْسَ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُطْلِقَ لَفْظًا يَدُلُّ عِنْدَ غَيْرِهِ عَلَى مَعْنًى فَاسِدٍ، وَيَفْهَم ذَلِكَ الْغَيْرُ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْفَاسِدَ، مِن غَيْرِ بَيَان مُرَادِهِ (١). [١٧/ ٣٧٤]
١٠٥ - أَمَّا اسْتَوَى عَلَى كَذَا: فَلَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَلُغَةِ الْعَرَبِ الْمَعْرُوفَةِ إلَّا بِمَعْنى وَاحِدٍ، قَالَ تَعَالَى: {فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ} [الفتح: ٢٩].
وَهَذَا الْمَعْنَى يَتَضَمَّنُ شَيْئَيْنِ:
أ- عُلُوَّهُ عَلَى مَا اسْتَوَى عَلَيْهِ.
(١) وهذا يجري في الألفاظ الشرعية وغيرها.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute