للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إذَا صَلَحَتْ صَلَحَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ لَهَا سَائِرُ الْجَسَدِ".

- وَقَد يُرَادُ بِالْقَلْبِ بَاطِنُ الْإِنْسَانِ مُطْلَقًا؛ فَإِنَّ قَلْبَ الشَّيْءِ بَاطِنُهُ؛ كقَلْبِ الْحِنْطَةِ، وَاللَّوْزَةِ، وَالْجَوْزَةِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَمِنْهُ سُمِّيَ الْقَلِيبُ قَلِيبًا؛ لِأَنَّهُ أَخْرَجَ قَلْبَهُ وَهُوَ بَاطِنُهُ.

وَعَلَى هَذَا: فَإِذَا أُرِيدَ بِالْقَلْبِ هَذَا فَالْعَقْلُ مُتَعَلِّق بِدِمَاغِهِ أَيْضًا، وَلهَذَا قِيلَ: إنَّ الْعَقْلَ فِي الدِّمَاغِ؛ كَمَا يَقُولُهُ كَثِيرٌ مِن الْأَطِبَّاءِ، وَنُقِلَ ذَلِكَ عَن الْإِمَامِ أَحْمَد.

وَيقُولُ طَائِفَةٌ مِن أَصْحَابِهِ: إنَّ أَصْلَ الْعَقْلِ فِي الْقَلْبِ، فَإِذَا كَمُلَ انْتَهَى إلَى الدِّمَاغِ.

وَالتَّحْقِيقُ: أنَّ الرُّوحَ الَّتِي هِيَ النَّفْسُ لَهَا تَعَلُّقٌ بِهَذَا وَهَذَا، وَمَا يَتَّصِفُ مِن الْعَقْلِ بِهِ يَتَعَلَّقُ بِهَذَا وَهَذَا، لَكِنَّ مَبْدَأَ الْفِكْرِ وَالنَّظَرِ فِي الدِّمَاغِ، وَمَبْدَأَ الْإِرَادَةِ فِي الْقَلْبِ.

وَالْعَقْلُ يُرَادُ بِهِ الْعِلْمُ وُيرَادُ بِهِ الْعَمَلُ؛ فَالْعِلْمُ وَالْعَمَلُ الِاخْتِيَارِيُّ أَصْلُهُ الْإِرَادَةُ، وَأَصْلُ الْإِرَادَةِ فِي الْقَلْبِ، وَالْمُرِيدُ لَا يَكُونُ مُرِيدًا إلَّا بَعْدَ تَصَوُّرِ الْمُرَادِ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْقَلْبُ مُتَصَوِّرًا فَيَكُونُ مِنْهُ هَذَا وَهَذَا، وَيَبْتَدِئُ ذَلِكَ مِن الدِّمَاغِ، وَآثَارُهُ صَاعِدَةٌ إلَى الدِّمَاغِ، فَمِنْهُ الْمُبْتَدَأُ وَإِلَيْهِ الِانْتِهَاءُ (١).


(١) خلاصة كلام ابن تيمية وبعض أهل الطب في مسألة: هل العقل في المخ أم في القلب: العقل ليس هو المخ، ومعناه: من عَقَلَ الشيء إذا منعه، فالتفكير والنظر في المخ، والإرادة ومنع النفس مما لا ينبغي من القلب.
فمَبْدَأُ الْفِكْرِ وَالنَّظَرِ والتصديق والتكذيب فِي الدِّمَاغِ، وَمَبْدَأُ الْإرَادَةِ والعزيمة والعمل بالعلم فِي الْقَلْبِ.
فالنظر والخواطر والأفكار التي تُؤدي إلى تصديق الشيء أو تكذيبه إنما هي من الدماغ والمخ، والقلبُ يُصدِّقها أو يكذِّبها.
والخوف، والفزع، والحب، والحزن، والفرح، والبغض، والحسد، والحقد، والخَور، =

<<  <  ج: ص:  >  >>