وَالرُّوحُ الْمُدَبِّرَةُ لِلْبَدَنِ الَّتِي تُفَارِقُهُ بِالْمَوْتِ هِيَ الرُّوحُ الْمَنْفُوخَةُ فِيهِ، وَهِيَ النَّفْسُ الَّتِي تُفَارِقُهُ بِالْمَوْتِ، قَالَ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا نَامَ عَن الصَّلَاةِ: "إنَّ اللهَ قَبَضَ أَرْوَاحَنَا حَيْثُ شَاء وَرَدَّهَا حَيْثُ شَاءَ" (١).
وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [الزمر: ٤٢]، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ: يَقْبِضُهَا قبضين: قَبْضُ الْمَوْتِ وَقَبْضُ النَّوْم، ثُمَّ فِي النَّوْمِ يَقْبِضُ الَّتِي تَمُوتُ، وُيرْسِلُ الْأُخْرَى إلَى أجَلٍ مُسَمُّى، حَتَّى يأْتِيَ أجَلُهَا وَقْتَ الْمَوْتِ.
لَكِنْ يُسَمَّى نَفْسًا بِاعْتِبَارِ تَدْبِيرِهِ لِلْبَدَنِ، وُيسَمَّى رُوحًا بِاعْتِبَارِ لُطْفِهِ؛ فَإِنَّ لَفْظَ الرُّوحِ يَقْتَضِي اللُّطْفَ؛ وَلهَذَا تُسَمَّى الرِّيحُ روحًا.
وَلَكِنَّ لَفْظَ "الرُّوحِ وَالنَّفْسِ" يُعَبَّرُ بِهِمَا عَن عِدَّةِ مَعَانٍ:
أ - فَيُرَادُ بِالرُّوحِ: الْهَوَاءُ الْخَارجُ مِن الْبَدَنِ، وَالْهَوَاءُ الدَّاخِلُ فِيهِ.
ب - وُيرَادُ بِالرُّوحِ: الْبُخَارُ الْخَارجُ مِن تَجْوِيفِ الْقَلْبِ مِن سويداه السَّارِي فِي الْعُرُوقِ.
ج - وَيُرَادُ بِنَفْسِ الشَّيْءِ: ذَاتُهُ وَعَيْنُهُ، كَمَا يُقَالُ: رَأَيْت زيْدًا نَفْسَهُ وَعَيْنَهُ، وَقَد قَالَ تَعَالَى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ} [المائدة: ١١٦]، وَقَالَ: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام: ٥٤].
فَهَذِهِ الْمَوَاضِعُ الْمُرَادُ فِيهَا بِلَفْظِ النَّفْسِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ: اللهُ نَفْسُهُ الَّتِي هِيَ ذَاتُهُ الْمُتَّصِفَةُ بِصِفَاتِهِ.
د - وَقَد يُرَادُ بِلَفْظِ النَّفْسِ الدَّمُ الَّذِي يَكُونُ فِي الْحَيَوَانِ؛ كَقَوْلِ الْفُقَهَاءِ "مَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ"، وَمِنْهُ يُقَالُ: نَفِسَتْ الْمَرْأَةُ إذَا حَاضَتْ.
(١) رواه مالك (٢٦).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute