وفي عهدهم اسْتولى النصارى على القدس، واسْتولوا على كثيرٍ من ديار المسلمين. ثم اسْتمرّ إجرام الرافضة لعقودٍ طويلة، ذاق المسلمون منهمْ صنوفَ الأذى والويلات، واقْتادوا آلاف الأبرياءِ للمشانقِ والمعتقلات، ونشروا البدعة وقمعوا السُّنَّة. ثم إنَّ الأمة حينما عظم البلاء عليها، وازدادَ الظلم على أفرادِها، راجعوا أنْفُسَهم ودينهم وربَّهم، وبدؤوا يَلْتَفِتُون يمنةً ويَسرةً، يبحثون عن قائدٍ يُنقذهم من هذا الذل الذي لا يُطاق، فغيروا ما بأنفسهم، فجرتْ سُنَّةُ الله بتغيير حالهم. فأقام الله الدولة الأيوبية، فجمعوا الأمة على عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة، وقاتلوا الرافضة المحتلين ببسالة، فزحفوا إلى تونس والْمَغرب، فأبادوهم وطردوهم، حتى بقيتْ آخر قلعةٍ لهم، وهي مصرُ السنيَّة، التي جثم الروافضُ على صدور المصريين ما يزيدُ على قرنين من الزمان، فأنهى الله تعالى دولتهم، وأزال مُلكهم على يدِ المجاهد العظيم: صلاحِ الدينِ رَحِمَهُ اللهُ، وذلك محرم، عام خمسمائةٍ وسبعةٍ وسِتِّين للهجرة، وكان آخرُ خُلفائهم العاضد، قال ابن كثير رَحِمَهُ اللهُ: وكانت سيرتُه مذمومة، وكان شيعيًّا خبيثًا، لو أمكنه قَتَلَ كل من قَدِرَ عليه من أهل السُّنَّة. ولقد فرح المسلمون بزوال الدولة الفاطمية فرحًا عظيمًا، عمَّتْ أرجاء الأمَّةِ الإسلامية المكلومة، "وزُيِّنَتْ عاصمةُ الخلافة العباسية بَغْدَاد، وَغُلِّقَتِ الْأسْوَاقُ، وَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ فَرَحًا شَدِيدًا، وَكَانَتِ الْخُطْبَةُ للخليفة العباسي قَد قُطِعَتْ مِن دِيَارِ مِصْرَ، سَنَةَ تِسْعٍ وَخَمْسِينَ وَثَلَاثِمِائَةٍ، حِينَ تَغَلَّبَ الْفَاطِمِيُّونَ عَلَيْهَا، أَيَّامَ الْمُعِز الْفَاطِمِيِّ بَانِي الْقَاهِرَةِ، إِلَى هَذَه السنة، وَمُدةُ ذلك مِائَتَان وَثَمَانُ سِنِنَ". اهـ. البداية النهاية (١١/ ٣٥٠). هذه الْمُدةُ لحكمهم مِصْر فقط، أمَّا منذ بدايةِ حكمهم لبلاد المسلمين الأخرى، فمدته مِائَتَان وسبعون عامًا. (١) الذين أعلنوا الخلافة العبيدية الرافضية الباطنية.