للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بَالُ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ لَهُم مَحَبَّةٌ شَدِيدَةٌ لِأَهْوَائِهِمْ؟ فَقَالَ: أَنَسِيتَ قَوْله تَعَالَى: {وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ} [البقرة: ٩٣] أو نَحْو هَذَا مِن الْكَلَامِ.

وَلِهَذَا يَمِيلُ هَؤُلَاءِ إلَى سَمَاعِ الشِّعْرِ وَالْأَصْوَاتِ الَّتِي تُهَيِّجُ الْمَحَبَّةَ الْمُطْلَقَةَ (١)، الَّتِي لَا تَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ؛ بَل يَشْتَرِكُ فِيهَا مُحِبُّ الرَّحْمَنِ، وَمُحِبُّ الأوْثَانِ، وَمُحِبُّ الصُّلْبَانِ، وَمُحِبُّ ا لْأَوْطَانِ، وَمُحِبُّ الْإِخْوَانِ، وَمُحِبُّ المردان، وَمُحِبُّ النِّسْوَانِ.

وَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ أَذْوَاقَهُم وَمَوَاجِيدَهُم مِن غَيْرِ اعْتِبَارٍ لِذَلِكَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَمَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ؛ فَالْمُخَالِفُ لِمَا بُعِثَ بِهِ رَسُولُهُ مِن عِبَادَتِهِ وَطَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ لَا يَكُونُ مُتَّبِعًا لِدِينٍ شَرَعَهُ اللهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (١٨)} إلَى قَوْلِهِ: {وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩)} [الجاثية: ١٨، ١٩]؛ بَل يَكُونُ مُتَّبِعًا لِهَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِن اللهِ. [١٠/ ١٧٠ - ١٧١]

٧٩٤ - الرَّجُلُ إذَا تَعَلَّقَ قَلْبُهُ بِامْرَأَةٍ وَلَو كَانَت مُبَاحَةً لَهُ يَبْقَى قَلْبُهُ أَسِيرًا لَهَا، تَحْكُمُ فِيهِ وَتتصَرَّفُ بِمَا تُرِيدُ؛ وَهُوَ فِي الظَّاهِرِ سَيِّدُهَا؛ لِأَنَهُ زَوْجُهَا، وَفِي الْحَقِيقَةِ هُوَ أَسِيرُهَا وَمَمْلُوكُهَا، لَا سِيَّمَا إذَا دَرَتْ بِفَقْرِهِ إلَيْهَا، وَعِشْقِهِ لَهَا، وَأَنَّهُ لَا يَعْتَاضُ عَنْهَا بغَيْرِهَا؛ فَإِنَّهَا حِينَئِذٍ تَحْكُمُ فِيهِ بِحُكْمِ السَّيِّدِ الْقَاهِرِ الظَّالِمِ فِي عَبْدِهِ الْمَقْهُورِ، الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْخَلَاصَ مِنْهُ بَل أَعْظَمُ، فَإِنَّ أَسْرَ الْقَلْبِ أَعْظَمُ مِن أَسْرِ الْبَدَنِ، وَاسْتِعْبَادَ الْقَلْبِ أَعْظَمُ مِن اسْتِعْبَادِ الْبَدَنِ (٢). [١٠/ ١٨٥ - ١٨٦]


(١) وهذا مُشاهدٌ في أهل الأهواء والبدع، من الخوارج والرافضة وغيرِهم، فهم لا يجدون اللذة والأنس والنشاط إلا بالألحان والقصص الْمُختَلَقة، أما أهل الإيمان الصحيح، فألذّ شيءٍ عندهم، وأنشط أمرٍ لهم: سماع القرآن، والقيام لله تعالى في صلواتهم، وسماع الذكر والعلم.
(٢) وقد ذكر أهل السير والتاريخ أنّ أحد الخلفاء - وقيل بأنه هارون الرشيد - أحب جاريةً محبّةً شديدة، وقال فيها هذه الأبيات:
أما يكفيكِ أنك تملكيني … وأنَّ الناس كلَّهم عبيد
وأنك لو قطعت يدي ورجلي … لقلت من الرضى أحسنت زيدي

<<  <  ج: ص:  >  >>