للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

مِن أَهْلِ الْكِتَابِ، وَذَلِكَ فِي عَرْصَةِ الْقِيَامَةِ، ثُمَّ يَحْتَجِبُ عَن الْمُنَافِقِينَ فَلَا يَرَوْنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ، وَهَذَا قَوْلُ أَبِي بَكْير ابْنِ خُزَيْمَة مِن أئِمَّةِ أَهْلِ السُّنَّةِ، وَقَد ذَكَرَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى نَحْوَهُ فِي حَدِيثِ إتْيَانِهِ سبحانه وتعالى لَهُم فِي الْمَوْقِفِ الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ.

الثَّالِثُ: أَنَّ الْكُفَّارَ يَرَوْنَهُ رُؤْيَةَ تَعْرِيف وَتَعْذِيبٍ -كَاللِّصِّ إذَا رَأَى السُّلْطَانَ- ثُمَّ يَحْتَجِبُ عَنْهُم لِيَعْظُمَ عَذَابُهُمْ، ويشْتَدَّ عِقَابُهُمْ.

وَهَذَا مُقْتَضَى قَوْلِ مَن فَسَّرَ اللِّقَاءَ فِي كِتَابِ اللهِ بِالرُّؤْيَةِ؛ إذ طَائِفَة مِن أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْهُم أَبُو عَبْدِ اللهِ ابْنِ بَطَّةَ الْإِمَامُ قَالُوا فِي قَوْلِ اللهِ: {الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ} [الكهف: ١٠٥]: إنَ اللِّقَاءَ يَدُلّ عَلَى الرُّؤيَةِ وَالْمُعَايَنَةِ.

قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى وَغَيْرُهُ: كَانَت الْأُمَّةُ فِي رُؤْيَةِ اللهِ بِالْأَبْصَارِ عَلَى قَوْلَيْنِ:

- مِنْهُم الْمُحِيلُ لِلرُّؤْيَةِ عَلَيْهِ، وَهُم الْمُعْتَزِلَةُ والنجارية وَغَيْرُهُم مِن الْمُوَافِقِينَ لَهُم عَلَى ذَلِكَ.

- وَالْفَرِيقُ الْآخَرُ أَهْلُ الْحَق وَالسَّلَفِ مِن هَذِهِ الْأُمَّةِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ اللهَ فِي الْمَعَادِ، وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا يَرَوْنَهُ.

فَثَبَتَ بِهَذَا إجْمَاعُ الْأُمَّةِ -مِمَن يَقُولُ بِجَوَازِ الرُّؤْيَةِ وَمِمَن يُنْكِرُهَا -عَلَى مَنْعِ رُؤْيَةِ الْكَافِرِينَ للهِ، وَكُلُّ قَوْلٍ حَادِثٍ بَعْدَ الْإِجْمَاعِ فَهُوَ بَاطِل مَرْدُودٌ.

وَالْعُمْدَةُ: قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (١٥)} [المطففين: ١٥] فَإِنَّهُ يَعُمُّ حَجْبَهُم عَن رَبِهِم فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَذَلِكَ الْيَوْمُ {يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٦)} [المطففين: ٦] وَهُوَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ، فَلَو قِيلَ: إنَّهُ يَحْجُبُهُم فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ: لَكانَ تَخْصِيصًا لِلَّفْظِ بِغَيْرِ مُوجِبٍ، وَلَكَانَ فِيهِ تَسْوِيَةٌ بَيْنَهُم وَبَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ؛ فَإِنَ الرُّؤَيةَ لَا تَكُونُ دَائِمَةً لِلْمُومِنِينَ، وَالْكَلَامُ خَرَجَ مَخْرَجَ بَيَانِ عُقُوبَتِهِمْ بِالْحَجْبِ وَجَزَائِهِمْ بِهِ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسَاوِيَهُم الْمُؤمِنُونَ فِي عِقَابٍ وَلَا جَزَاءٍ سِوَاهُ؛ فَعُلِمَ أَنَ الْكَافِرَ مَحْجُوبٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ بِخِلَافِ الْمُؤمِنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>