ومعنى كلامه -صلى الله عليه وسلم-: أنّ الشيْء لَو كَانَ خَيْرًا مَحْضًا لَمْ يُوجِبْ فُرْقَةً، كالصلاة وأداء الزكاة والصدقة، فالقيام بها لا يُسبب أي شر وفتنة وضرر. وَلَو كَانَ شَرًّا مَحْضًا لَمْ يَخْفَ أَمْرُهُ، كالزنى والسرقة وقتل النفس بلا حق، فهذه لا يخفى أمرها على أحد، ولا يستريب أحد أنها خطا وشرٌّ وحرام، ولا يختلف العقلاء عليها. وإنما تقع الخلافات والْفِتنَ من اجْتِمَاع الْأمْرَيْنِ فِي الأمر الوحد، وهي غالب ما تنازع الناس بسببها، كالإمارة والجهاد وإنكار المنكَر وغير ذلك. فالأعمال التي يقوم بها بعض الناس من الدعاة والمشايخ وأهل الخير واجتهدوا بها: لن تكون خيرًا محضًا، بل ربما يشوب بعضَها شرٌّ، فلا يجوز ذمها وذم صاحبها مطلقًا، ويجب أن يُحاسب من طعن فيهم وفي أعمالهم، ويعلم أنّه قد يكون ظالِمًا لهم، حيث ذم كلّ أعمالهم، وفيها خيرٌ ونفعٌ عظيم. فالفتن الحاصلة بين المسلمين وخاصّةً أهل السُّنَّة: لم تحدث لارتكاب أحدهم شرًّا محضًا؛ لأن الشر المحض كما تقدم لا يجهله أحد، ولا يُقدم عليه عاقل، بل لأنه اجتمع في الشيء الأمرين: الخير والشر.