ومن لم يقل:"آمنّا" فلا يحسب أنه يسبق الرب لتجربته، فإنَّ أحدًا لن يُعجز الله تعالى.
هذه سُنَّته تعالى، يُرسل الرسل إلى الخلق، فيكذبهم الناس ويؤذونهم، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ}[الأنعام: ١١٢].
ومن آمن بالرسل وأطاعهم عادوه وأدوه فابتلي بما يؤلمه، وإن لم يؤمن بهم عوقب فحصل ما يؤلمه أعظم وأدوم، فلا بد من حصول الألم لكل نفس سواء آمنت أو كفرت، لكن المؤمن يحصل له الألم في الدنيا ابتداء، ثم تكون له العاقبة في الدنيا والآخرة، والكافر تحصل له النعمة ابتداء، ثم يصير في الألم.
سأل رجل الشافعي فقال: يا أبا عبد الله أيهما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى؟ فقال الشافعي: لا يمكن حتى يبتلى؛ فإن الله ابتلى نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فلما صبروا مكَّنهم.
فلا يظن أحد أنه يخلص من الألم ألبتة، وهذا أصل عظيم، فينبغي للعاقل أن يعرفه، وهذا يحصل لكل أحد؛ فإن الإنسان مدني بالطبع لا بد له أن يعيش مع الناس، والناس لهم إرادات وتصورات يطلبون منه أن يوافقهم عليها، وإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه.
وإن وافقهم حصل له الأذى والعذاب: تارة منهم، وتارة من غيرهم. وذلك أن النفس لا تزكو وتصلح حتى تمحص بالبلاء؛ كالذهب الذي لا يخلص جيده من رديئه حتى يفتتن في كير الامتحان؛ إذ كانت النفس جاهلة ظالمة وهي منشأ كل شر يحصل للعبد، فلا يحصل له شر إلا منها، قال الله تعالى:{مَا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللَّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ}[النساء:٧٩]. [المستدرك ١/ ١٩٣ - ١٩٥]