ولقد امتثل النبي -صلى الله عليه وسلم- نهي الله عن الحزن، فأصبح عظيم التفائل، قليل الشكاية للخلق، وقد كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا بَعَثَ أحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِى بَعْضِ أَمْرِهِ قَالَ: "بَشِّرُوا وَلَا تُنَفِّرُوا وَيسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا". متفق عليه. وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يحب الفأل الحَسَن، فليحذر المسلمُ من مجالسة المتشائمين والْمُحْبَطين، حتى لا تنتقلَ هذه العدوى وتسري إليه، فهي داء قتّال، تصيب المرء بالشلل النفسي، والتخبطِ الذهني، وإنَّ هذا الدِّينَ العظيمَ موعود بنصرٍ من الله، وتمكينٍ في الأرض. وإن تفاؤل المسلم، ليس مكابرةٌ ولا تسليما للواقع، ولكنه عقيدة راسخة يؤمن بها، ويعمل في إطارها، سندها كتاب الله عزَّ وجلَّ، {وَلَا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} [يوسف: ٨٧]، {قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ} [الحجر: ٥٦] واليأس حيلةُ العاجز الكسول، البطَّالِ الخمول. ثم تأمل كيف أن الله تعالى جعل بحكمته لكل نبيّ عدوًّا لدودًا من المجرمين، قال تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ (١١٢)} [الأنعام: ١١٢]. أفتظن ألا يجعل لأتباعهم -وهم أقل منهم- أعداءً يتسلطون عليهم؟ وتأمل كيف أمره الله تعالى بترك أذى هؤلاء المجرمين، وعدم الانتقام لنفسه، والانشغال بالردود عليهم، وعدم الألم على قبيح أفعالهم وأقوالهم. إن كرهك لمن يتهجم على الإسلام والعلماء وأهل الخير، وسعيك في دحر باطلهم، ونصرة الحق وأهله؛ هو الواجب والمحمود، ولكن المذموم أن يكون حزنًا وهمًّا يعتصر قلبك، ويُثبطك عن العمل النافع، ويجعلك كثير التشكي قليل العمل. يُنظر: عِبَاراتٌ تأثَّرْتُ بهِا وَغَيَّرَتْ فِي حَيَاتي، للمؤلف (٥٢). (١) الشهادة الزكية (ص ٣٥). (٢) أي: المبتلى.