النوع الأول: بدعٌ ظاهرة؛ أي: واضحة صريحة، ثبت الدليل البيّن على ذمها؛ كالقول بخلق القرآن، أو دعاء غير الله، أو الذبح لغير الله، فهذا يبدّع بالبدعة الواحدة، ولا يجوز أخذ العلم عنه، ويجب الإنكار عليه. النوع الثاني: بدعٌ خفية؛ أي: قد يخفى دليلها، أو يخفى وجه الدلالة على بدعتها، وهي المسائل غير المعلومة من الدين بالضرورة؛ لخفائها وعدم انتشارها؛ كمسائل الأسماء والصفات التي وقع فيها الخلاف بين المسلمين كالاستواء والرؤية، وكالخلاف في مسألة الإيمان، ومسائل القدر والإرجاء، ونحو ذلك مما قاله أهل الأهواء. فمن وقع فيها مَن يتحرى الحق خطأ منه فهذا لا يبدّع، بل يجب نصحُه برفق، وأن يُبين له خطؤه، مع الرد على بدعته. قال ابن تيمية رحمه الله كثير من علماء السلف والخلف وقعوا في بدع من حيث لا يشعرون، إما استندوا إلى حديث ضعيف أو أنهم فهموا من النصوص غير مراد الله -تبارك وتعالى- أو أنهم اجتهدوا. ا هـ. فلا يُحكم على من وقع في بدعة أنه من أهل الأهواء والبدع، ولا يجوز معاداته بسببها، إلا إذا كانت البدعة مشتهرة مغلظة عند أهل العلم بالسُّنَّة. وإذا كان هذا الواجب تجاه المبتدع بدعة خفية، فكيف بمن سلم من البدع والانحرافات، ولكن صدرت منه اجتهادات أخطأ فيها، فلا يجوز الطعن فيه، ولا صد الناس عن تلقي العلم والخير منه، ولا يجوز اتهامه بأنه مبتدع أو من الحزب الفلاني دون أن يُصرح بذلك، أو تدل الدلائل اليقينية على ذلك. وعذر المبتدع لا يقتضي إقراره على ما أظهره من بدعة، ولا إباحة اتِّباعه، بل يجب الإنكار عليه فيما يسوغ إنكاره، مع مراعاة الأدب في ذلك. (٢) مثل: من يترك وسائل الراحة والمنفعة الدنيوية في هذا الزمان بزعم الزهد، كالتكييف واستعمال الكهرباء والمصابيح الكهربائية والسيارات والفرش ونحوها، وهذا كما قال الشيخ: الزُّهْدُ فِيهَا حُمْقٌ، وصدق رحمه الله، فأي حماقةٍ أعظم ممن يترك الأسباب التي تُسهل عليه معاشه وحياته، دون ضرر منها في دينه أو دُنياه! بل تعينه على استغلال وقته، فمن يقضي حاجته سيرًا على أقدامه، أو ركوبًا على حماره، أو يطبخ طعامه على الحطب، التي يحتاج إشعالها إلى زمن أطول: سيُضيع وقتًا طويلًا، ويُتعب جسمه دون فائدة، ولو اسْتغل هذا التعب في طلب العلم والعبادة لكان أولى.