للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فَفِي مَذْهَبِ أَحْمَد ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ الثَّالِثَةُ أَعْدَلُ وَأَحْسَنُ.

وَهَذَا الَّذِي جَاءَت بِهِ الشَّرِيعَةُ مِن النَّفْيِ هُوَ نَوْعٌ مِن الْهِجْرَةِ؛ أَيْ: هَجْرِهِ.

فَمَن كَانَ بِمُخَالَطَتِهِ لِلنَّاسِ لَا يَحْصُلُ مِنْهُ عَوْنٌ عَلَى الدِّينِ؛ بَل يُفْسِدُهُم وَيَضُرُّهُم فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ: اسْتَحَقَّ الْإِخْرَاجَ مِن بَيْنِهِمْ (١)؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ مَضَرَّةٌ بِلَا مَصْلَحَةٍ؛ فَإِنَّ مُخَالَطَتَة لَهُم فِيهَا فَسَادُهُم وَفَسَادُ أَوْلَادِهِمْ، فَإِنَّ الصَّبِيَّ إذَا رَأَى صَبِيًّا مِثْلَهُ يَفْعَلُ شَيْئًا تَشَبَّهَ بِهِ وَسَارَ بِسِيرَتِهِ مَعَ الْفُسَّاقِ، فَإِنَّ الِاجْتِمَاعَ بِالزُّنَاةِ وَالَلُّوطِيِّينَ فِيهِ أَعْظَمُ الْفَسَادِ وَالضَّرَرِ عَلَى النّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ وَالرِّجَالِ، فَيَجِبُ أَنْ ئعَاقَبَ اللُّوطِيُّ وَالزَّاني بِمَا فِيهِ تَفْرِيقُهُ وَإِبْعَادُهُ.

وَجِمَاعُ الْهِجْرَةِ هِيَ هِجْرَةُ السَّيِّئَاتِ وَاهْلِهَا، وَكَذَلِكَ هِجْرَانُ الدُّعَاةِ إلَى الْبِدَع وَهِجْرَانُ الْفُسَّاقِ، وَهِجْرَانُ مَن يُخَالِطُ هَؤُلَاءِ كُلّهُم أَو يُعَاوِنُهُمْ، وَكَذَلِكَ مَن يَتْرُكُ الْجِهَادَ الَّذِي لَا مَصْلَحَةَ لَهُم بِدُونِهِ (٢)، فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ بِهَجْرِهِمْ لَهُ؛ لَمَّا لَمْ يُعَاوِنْهُم عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى؛ فَالزُّنَاةُ وَاللُّوطِيَّةُ وَتَارِكُ الْجِهَادِ وَأَهْلُ الْبِدَعِ وشربة الْخَمْرِ هَؤُلَاءِ كُلُّهُم وَمُخَالَطَتُهُم مُضِرَّةٌ عَلَى دِينِ الْإسْلَامِ، وَلَيْسَ فِيهِمْ مُعَاوَنَةٌ لَا عَلَى بِرٍّ وَلَا تَقْوَى، فَمَن لَمْ يَهْجُرْهُم كَانَ تَارِكًا لِلْمَأْمُورِ فَاعِلًا لِلْمَحْظُورِ. [١٥/ ٣٠٩ - ٣١٢]

١١٣٨ - كَثِيرٌ مِن النَّاسِ بَل أَكْثَرُهُم كَرَاهَتُهُم لِلْجِهَادِ عَلَى الْمُنْكَرَاتِ أَعْظَمُ مِن كَرَاهَتِهِمْ لِلْمُنْكَرَاتِ، لَا سِيَّمَا إذَا كَثُرَتِ الْمُنْكَرَاتُ، وَقَوِيَتْ فِيهَا الشُّبُهَاتُ وَالشَّهَوَاتُ، فَرُبَّمَا مَالُوا إلَيْهَا تَارَةً وَعَنْهَا أخْرَى، فَتَكُونُ نَفْسُ أَحَدِهِمْ لَوَّامَةً بَعْدَ أَنْ كَانَت أَمَّارَةً، ثُمَّ إذَا ارْتَقَى إلَى الْحَالِ الْأَعْلَى فِي هَجْرِ السَّيِّئَاتِ، وَصَارَتْ نَفْسُهُ مُطَمْئِنَةً تَارِكَةً لِلْمُنْكَرَاتِ وَالْمَكْرُوهَاتِ، لَا تُحِبّ الْجِهَادَ وَمُصَابَرَةَ الْعَدُوِّ


(١) وهكذا تفعل الكثير من الدول فيمن يضر أمن بلدانهم، ويحرض على حكامهم، وإخراجُ من يُفْسِدُ أخلاق الناس ودينهم وعقيدتهم أولى من إخراج من يُفسد دُنياهم، ويضرّ بأمنهم.
(٢) قيد مهم، وهذا يتحقق في حالة معينة، كإغارة الكفار على بلاد المسلمين.

<<  <  ج: ص:  >  >>